الأول: استخدم الطبري الإسناد والرواية وبذلك جعل سند الرواية التأريخية ومتنها عرضة للنقد.
الثاني: فتح الطبري باب النقد مرة أخرى عندما نبه في مقدمته إلى وجود روايات تأريخية غير صحيحة وذلك بقوله:
[فما يكن من كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجها صحيحا ولا معنى في الحقيقة؛ فليعلم أنه لم يؤت ذلك من قبلنا وإنما أوتي من بعض ناقليه إلينا وإنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا] (¬1).
ولكن الطبري رحمه الله تعالى مع إقراره هذا بوجود أخبار غير صحيحة في تأريخه لم يستخدم النقد خلال تأريخه الطويل إلا في حالات نادرة جدا (بالنسبة لكثرة الروايات).
وهذا مثل نادر من أمثلة نقد الرواية التاريخية عند الطبري:
ذكر الطبري ضمن أحداث سنة 12 ه فتح ميناء الأبلة وتمصير البصرة من رواية سيف بن عمر التميمي (الأخباري الضعيف) (3/ 350) ثم علق الطبري نفسه على هذه الرواية فقال: وفي هذه القصة في أمر الأبلة وفتحها خلاف ما يعرفه أهل السير وخلاف ما جاءت به الآثار الصحاح وإنما كان فتح الأبلة أيام عمر رضي الله عنه وعلى يد عتبة بن غزوان في سنة أربع عشرة من الهجرة وسنذكر أمرها وقصة فتحها إذا انتهينا إلى ذلك إن شاء الله [تاريخ الطبري 3/ 350].
قلت: وقد تحدث الطبري في موضع آخر (3/ 590) عن فتح ميناء الأبلة وتمصير مدينة البصرة بسند صحيح.
وفيما عدا حالات نادرة جدا فقد ترك الطبري نقد الرواية التأريخية حتى قال أحد المعاصرين وهو الأستاذ شاكر مصطفى وهو يصف الطبري: [ومما يؤخذ على الطبري في منهجه ضمور النقد عنده وكان يقف خارج الأحداث وخارج الرواية نفسها في برود عقلي واضح] (¬2).
صفحہ 39