تريد الحكومة أن تعامل أبناء الأمة الذين استنارت أذهانهم بالعلم والمعرفة بأشد مما تعامل به المجرمين والقتلة، إننا نقتل أذكى كتابنا ونخرس الأقلام ونسلب الناس حرية الكلام، ثم ندعي أننا نعيش في بلاد دستورية حرة، فما هذا المنطق؟ لماذا تشدد الحكومة هذا التشديد على أرباب الأقلام والمنورين منا، فإذا كانت الحكومة تريد من سن هذا القانون اتقاء القدح والذم في الصحف، فلماذا ترجح حقوق هؤلاء الناس على حقوق الآخرين، لتوضح لنا الأسباب التي حملتها على تقييد حرية الصحافة تقييدا لا ينطبق على القواعد الدستورية.
أود أن أسأل الحكومة ومقرر اللجنة الحقوقية، لماذا لا تشدد الحكومة هذا التشديد على المجرمين والقتلة بدل الكتاب القديرين وأرباب الأقلام الحرة.
إن هذا القانون الذي يضيق الخناق على حرية النشر والصحافة يتعارض مع الدستور تعارضا واضحا، وإذا كان غرض الحكومة من تشريعه اتقاء القدح والانتقاد على صفحات الجرائد والمجلات، فمعنى ذلك أنها ترمي إلى إخماد الأذهان وتكسير الأقلام ومحو الحريات، ثم تتشدق بعد ذلك بحمايتها للدستور وتمسكها بروحه .
ومما قاله جميل صدقي الزهاوي «نائب بغداد» في هذه الجلسة من «مجلس المبعوثان» العثماني:
لقد أثبت تاريخ الأمم أنه كلما اشتد تضييق الخناق على أصحاب الأقلام والأفكار كلما كان الانفجار عظيما وسريعا، وها نحن اليوم نشرع قانونا يرمي إلى محاكمة الكتاب والمفكرين قبل محاكمة المجرمين واللصوص.
وقد كان لموقف النواب العراقيين وغيرهم من نواب البلاد العربية في مقاومة هذا القانون صداه البعيد في الصحافتين التركية والعربية في ذلك الوقت، فأطرت حريتهم وشجاعتهم، منها جريدة «صباح» التركية التي قالت:
3
إن التاريخ سيحفظ لهؤلاء النواب الأحرار هذا الموقف، وسيكون تذكارا لأبناء الأمة في المستقبل، فيه درس وعبرة.
في عهد الاحتلال البريطاني
وبعد أن تقلص ظل الحكم العثماني واحتل الجيش البريطاني العراق، ثم تغير الحكم العسكري البريطاني في العراق إلى حكم مدني بريطاني، وقبل نشوب الثورة العراقية سنة 1920 عوملت الصحف القليلة التي صدرت على ضفاف الرافدين في خلال هذه المدة القصيرة معاملة فيها الكثير من التساهل، وإفساح المجال لإبداء الرأي على صفحاتها، مع أن الشعب الواعي لم يكن راضيا عن تلك الحالة أيضا، وكان يطالب بإطلاق حرية الصحافة، كما جاء في بيان «المندوبين الخمسة عشر» الذين قابلوا الحاكم الملكي العام السر أرنولد ولسن في دائرته ببغداد يوم 2 حزيران (يونيو) سنة 1920؛ فقد سلموه مذكرة «بمطالب الشعب» من سلطة الاحتلال، تدور حول ثلاث مسائل جوهرية لا بأس من إيرادها بنصها؛ لتعرف مقدار شعور العراقيين بقيمة الحرية الصحافية من ذلك اليوم: (1)
نامعلوم صفحہ