اللندنية، ودافعت عن حرية الصحافة بلهجة حارة لما عطلت الحكومة بعض الصحف المعارضة. وقد أقبل عليها الشعب إقبالا عظيما في كل ناحية في القطر.
واستنفدت هذه الجريدة جهدها كله في السياسة، فتفرغت لمعالجة أمورها وقليلا ما كانت تعالج شئون الاقتصاد أو الاجتماع. أما الأدب فلم تعن به اللهم إلا بعض قصائد نشرتها لجميل الزهاوي لرابطة الود التي جمعت بين رئيس الحزب والشاعر.
ولما اشترك «حزب الشعب» في الحكم في وزارة جعفر العسكري المؤتلفة في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1926 أصبحت جريدته حكومية تحبذ أعمال الوزارة القائمة ، إلا أن صوتها في التأييد يناقض لهجتها في المعارضة؛ إذ هنا خفت نبراتها، كما تصدع «حزب الشعب» نفسه لاشتراكه في الوزارة، فقل الإقبال على الجريدة وتفرق أكثر المشتغلين بتحريرها وإدارتها من الموظفين فيها، فعين محررها كاتبا في مجلس الوزراء، ولفظت أنفاسها في 6 تموز (يوليو) سنة 1927، وإن استخدم امتيازها للصدور بمكان جريدة «البلاد» المعطلة فترة من الوقت بعد ذلك.
جريدة حزب التقدم
هذا ما كان من أمر «حزب الشعب» المعارض وجريدته. أما «حزب التقدم» فقد ألفته وزارة عبد المحسن السعدون فور توليها مقاليد الحكم، وبقي مقتصرا على العمل في داخل البرلمان ورئيسه هو عبد المحسن السعدون نفسه، وعجز غيره عن أن يحل محله في زعامة الحزب.
ومن أعضائه البارزين ناجي السويدي وصبيح نشأت وحكمت سلمان ومحمد أمين زكي ونوري السعيد، وفي منهج الحزب ما يشير إلى إنفاذ المعاهدة العراقية الإنكليزية، والسعي لإجراء التعديل الذي نوه به المجلس التأسيسي، وإدخال العراق عصبة الأمم والاحتفاظ بالوحدة العراقية بحدودها الطبيعية، والحصول على الاستقلال التام وتأييد روابط المودة مع الحليفة بريطانية، وإيجاد صلات ودية مع الدول كافة، هذا عدا عن الخطط المرسومة في المنهاج للسياسة الداخلية، وكلها ترمي إلى رفع مستوى الشعب وتقدمه أدبيا وماديا.
وإذا رجعنا إلى «حزب التقدم» وصحافته طالعتنا رحابة صدر تحلت بها الوزارات التي كان يرأسها عبد المحسن السعدون مهما بلغت لهجة الصحف المعارضة من القسوة أحيانا، مثاله ما ورد في مقال لكاتب في جريدة «الاستقلال» يعرض بالمسئولين في مناقشة سياسية: «لهم وجوه القردة وجلود الخنازير.»
ولم يكن حزب التقدم في أول أمره يحس بالحاجة إلى جريدة خاصة تشد أزره؛ إذ كانت أكثر الصحف المنشورة عهدئذ تواليه وتؤيده في معظم المواقف بينها «العراق» و«العالم العربي»، ولكنه رأى بعد ثلاث سنوات من حياته أن تكون له جريدة خاصة أسوة ببعض الأحزاب الأخرى، فأنشأ أولا جريدة باسم «اللواء» تنشر ثلاث مرات في الأسبوع يديرها ويحررها محمد سعيد العزاوي، ظهرت في 20 آيار (مايو) سنة 1928، ولم تكتب لها الحياة أكثر من أيام معدودة.
واهتم بعدها بتأسيس جريدة قوية ينفق عليها بسخاء ويعضدها بنفوذه هي جريدة «التقدم» مختارا ابن أحد الوزراء من أعضاء الحزب لإدارتها وتحريرها «سلمان الشيخ داود»، برز عددها الأول في 16 تشرين الأول أكتوبر سنة 1928 يومية، قالت في كلمتها الافتتاحية:
نريد بكلمتنا أن نبسط منهاجنا وخطتنا بصراحة ووضوح، غير ملتجئين إلى الأساليب الغامضة والجمل الفارغة بغية الإغواء والتلاعب بالعواطف، ذلك منهج ينهجه من يروم الاصطياد في الماء العكر، ومن يتخذ قلمه وصحيفته واسطة من وسائط الاتجار - وليلاحظ السامع أن في هذه الفقرات من جريدة التقدم تعريض صريح بالصحف المعارضة والحزبية.
نامعلوم صفحہ