وكان الشيخ علوان الحاج سعدون من أقطاب الثورة قد اقترح على عبد الحسين تسمية جريدته «الثورة»؛ لأنه اسم تاريخي، ولا يستطيع صحافي أن يحصل عليه إلا في هذه الظروف، ولكنه رفض هذا الاقتراح؛ لأنه عندما كان في بغداد وابتدأت المفاوضات السلمية تقدم بطلب إلى حكومة الاحتلال بالاشتراك مع عبد الغفور البدري بإصدار جريدة باسم «الاستقلال» فرفضت السلطة المذكورة طلبه، فجاء النجف مصمما على تحقيق رغبته من رجال الثورة الوطنيين.
2
ولما فاوض الصحافي صادق الكتبي ليطبع «الاستقلال» في مطبعته رفض رغما عما أغراه به من الأجور الحسنة، فراجع صاحب الجريدة القائمقام، فأوعز هذا بوضع اليد على المطبعة حالا لحاجة الثورة إليها في أغراضها، فصارت تطبع الجريدة.
ظهرت جريدة «الاستقلال» في 3 تشرين الأول (أكتوبر) في النجف كما أناطت قيادة الثورة بمنشئها إدارة «مكتب الدعاية والأخبار» الذي أسسته، وعين رجلان من أنشط الضباط لتتبع شئون الثورة وأخبارها، وتزويد مكتب الجريدة بها، وهما «ناجي حسين» و«جميل قبطان»، وكان من حسن حظ المكتب أن ظفر بغنيمة باردة أطلعته على الشيء الكثير من خطط العدو؛ وذلك أن الطائرة التي ألقت البريد على فصائل الجيش الإنكليزي المحصورة في نقطة الكوفة لم تستطع أن تلقيه على مكان هذه القوة بالضبط، بل وقع قريبا منها فاستولى عليه الأهلون فحملوه إلى مكتب الجريدة والدعاية، فأمدهم بمعلومات كانوا يحتاجون إليها.
واستعداد المطبعة وقلة الورق لم يمكنا جريدة «الاستقلال» من الظهور أربع مرات في الأسبوع كما أرادت، وكتب الجانب الأكبر منها صاحبها ومدير سياستها يعاونه عبد الرزاق الهاشمي، وهو من محرري مجلة «اللسان» التي ذكرتها آنفا.
كتبت في افتتاحية عددها الأول:
لقد آلمنا خلو البلاد من الصحف الوطنية وعدم اهتمام الكتاب وحملة الأقلام بها في هذه الأيام الحرجة، فدفعتنا الوطنية إلى إصدار جريدة «الاستقلال» لترد أضاليل المحتلين وتهمهم وتنشر مظالمهم البربرية، وترفع الستار عن حقيقتهم، وتوضح مطالب الأمة المشروعة لدى العالم وتنشر أنباء المعارك والحوادث المحلية، وتوقف الأمة على الحالة السياسية التي يتبدل مجراها كل حين، وتريها مستقبلها الذي يتراءى من خلال الحوادث الجارية، وتوضح لها السبل التي يتحتم سلوكها لبلوغ الغاية المقدسة، وتنقد أعمالها لتوقفها على النافع منها والضار شأن الجرائد الكبرى الحرة في البلاد الراقية، ولكن كيف يتأتى ذلك ونحن على ما نحن عليه من قلة العدة والوسائل؟
وقد قاسى محررو جريدة «الاستقلال» بعض ما يعانيه صحفيو أوروبا وغيرهم في خلال الحروب، حيث كانوا يكتبون أحيانا تحت أزيز القنابل التي ضربت النجف.
وتعرضوا لمراقبة حكومة الثورة وإنذار ممثلها والي كربلاء السيد محسن أبو طبيخ؛ إذ كتب يوما مقالا افتتاحيا عنوانه: «الشتاء على الأبواب ماذا أعددنا لتطمين حاجة الثوار في ميدان القتال؟» ومما ورد فيه:
ها قد حل الخريف وبدت طلائع جيش الشتاء قارس، وتلبدت الغيوم فما هو واجبنا؟ وما عسانا عاملين؟ إذا هاجمتنا الرياح والعواصف وصبت السماء رحمتها، ونحن لم نتخذ وسيلة تحمي الجيوش العربية المرابطة أمام العدو من برد الشتاء، ولم نبد اهتماما كبيرا لما سيحيط بها في هذا الفصل، ونحن في وضع يستلزم الاهتمام في أمر المجاهدين وتهيئة أسباب راحتهم.
نامعلوم صفحہ