صفوة التفاسير
صفوة التفاسير
ناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
پبلشر کا مقام
القاهرة
اصناف
لك إِذا دعوتهم للإِيمان سمعنا قولك وعصينا أمرك قال مجاهد: سمعنا ما قلته يا محمد ولا نطيعك فيه، وهذا أبلغ في الكفر والعناد ﴿واسمع غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ أي اسمع ما نقول لا سمعت والكلام ذو وجهين يحتمل الخير والشر وأصله للخير أي لا سمعتَ مكروهًا ولكنَّ اليهود الخبثاء كانوا يقصدون به الدعاء على الرسول ﷺ َ أي لا أسمعكَ الله وهو دعاء بالصمم أو بالموت ﴿وَرَاعِنَا﴾ أي ويقولون في أثناء خطابهم راعنا وهي كلمة سبّ من الرعونة وهي الحُمْق، فكانوا سخريةً وهزؤًا برسول الله ﷺ َ يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإِهانة ويظهرون به التوقير والإِكرام ولهذا قال تعالى ﴿لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدين﴾ أي فتلًا وتحريفًا عن الحق إِلى الباطل وقدحًا في الإِسلام قال ابن عطية: وهذا موجود حتى الآن في اليهود وقد شاهدناهم يربّون أولادهم الصغار على ذلك ويحفظونهم ما يخاطبون به المسلمين مما ظاهره التوقير ويريدون به التحقير ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ أي عوضًا من قولهم سمعنا وعصينا ﴿واسمع وانظرنا﴾ أي عوضًا عن قولهم غير مسمع وراعنا أي لو أن هؤلاء اليهود قالوا للرسول ﷺ َ ذلك القول اللطيف بدل ذلك القول الشنيع ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ﴾ أي لكان ذلك القول خيرًا لهم عند الله وأعدل وأصوب ﴿وَلَكِن لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ أي أبعدهم الله عن الهدى وعن رحمته بسبب كفرهم السابق فلا يؤمنون إِلا إِيمانًا قليلًا قال الزمخشري: أي ضعيفًا ركيكًا لا يُعبأ به وهو إِيمانهم ببعض الكتاب والرسل.
. ثم توعدهم تعالى بالطمس وإِذهاب الحواس فقال ﴿يَا أَيُّهَآ الذين أُوتُواْ الكتاب آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا﴾ أي يا معشر اليهود آمنوا بالقرآن الذي نزلناه على محمد ﷺ َ ﴿مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ﴾ أي مصدقًا للتوراة ﴿مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا على أَدْبَارِهَآ﴾ أي انطمس منها الحواس من أنفٍ أو عين أو حاجب حتى تصير كالأدبار، وهذا تشويه عظيم لمحاسن الإِنسان وهو قول ابن عباس ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَابَ السبت﴾ أي نمسخهم كما مسخنا أصحاب السبت وهم الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قردة وخنازير ﴿وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولًا﴾ أي إِذا أمر بأمر فإِنه نافذ كائن لا محالة ﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ أي لا يغفر الشرك ويغفر ما سوى ذلك من الذنوب لمن شاء من عباده ﴿وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ أي من أشرك بالله فقد اختلق إِثمًا عظيمًا قال الطبري: قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة ففي مشيئة الله إِن شاء عفا عنه وإِن شاء عاقبه عليه ما لم تكن كبيرته شركًا بالله. . ثم ذكر تعالى تزكية اليهود أنفسهم مع كفرهم وتحريفهم الكتاب فقال ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي ألم يبلغك خبر هؤلاء الذين يمدحون أنفسهم ويصفونها بالطاعة والتقوى؟ والاستفهام للتعجيب من أمرهم قال قتادة: ذلكم أعداء الله اليهود زكُّوا أنفسهم فقالوا ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾
[المائدة: ١٨] أي ليس الأمر بتزكيتهم بل بتزكية الله فهو أعلم بحقائق الأمور وغوامضها يزكي المرتضين من عباده
1 / 257