صفوة الاختيار في أصول الفقه
صفوة الاختيار في أصول الفقه
اصناف
مسألة:[الكلام في ما يجب على العامي في الفتوى]
ويجب على العامي تبين الفتوى دون الوجه، وقد خالف في ذلك الجعفران وقوم من متكلمة البغدادية وقالوا: إنما يجب على العامي الرجوع إليه لينبهه على طريقة الإستدلال، فإن حصل له العلم أو الظن باستدلال نفسه ونظره وإلا لم يجز له العمل، وهذا خلاف قد سبقه الإجماع بالقول والفعل والتقرير فلا يلتفت إليه؛ لأن الصحابة والتابعين وغيرهم من طبقات المسلمين يفتون العامي ولا يثبتون له الوجه بغير مناكرة بينهم في ذلك فكان إجماعا، وعلمنا بأنهم لم يثبتوا له الوجه حاصل على حد علمنا بأنهم أفتوا في المسائل إلى أن حدث هذا الخلاف، وقد سبقه الإجماع؛ فكان محجوجا به، ولولا ما قلنا لما تميزت طبقة العوام عن طبقة العلماء، ولأن العامي لا يمكنه الإستدلال وإن نبه على الوجه وطريقته، وهذا معلوم لنا من حالهم فكان إعلامه بالوجه عبثا وذلك لا يجوز، ولأنا كما نعلم أنه لا يجب على الحاكم أن يعلم المحكوم عليه بالوجه الذي حكم عليه لأجله من طريق الإجماع، نعلم مثل ذلك في المفتي فكما أن فساد الأول معلوم فكذلك هذا؛ لأن ظهور الإجماع في أحدهما كظهوره في الآخر.
مسألة:[الكلام في تخيير المستفتي بين الأقوال المختلفة]
وإذا أفتاه بقول مجمع عليه لم يخيره بلا خلاف في ذلك؛ فإن أفتاه بقول مختلف فيه؛ فقد حكى شيخنا رحمه الله تعالى عن الشيخ أبي الحسين البصري أنه ينبغي أن يخيره بين أن يقبل منه وبين أن يقبل من غيره.
وكان شيخنا رحمه الله تعالى يذهب إلى المنع من ذلك ويقول: ليس للمفتي تخييره لأن ذلك منه تخيير له بين العمل على الظن الأقوى وبين العمل على الظن الأضعف وذلك لا يجوز لانعقاد الإجماع على خلافه، وهو الذي نختاره، لمثل ما ذكره شيخنا رحمه الله تعالى.
صفحہ 378