صفوة الاختيار في أصول الفقه
صفوة الاختيار في أصول الفقه
اصناف
والذي يدل على صحته: أن هذه الشرائع مصالح، والمصالح لا يجوز أن تكون موقوفة على اختيار العباد، فلا يجوز أن يفوض الأمر في ذلك إليهم، إذ لا هداية لهم إلى العلم بها لكونها من جملة الغيب الذي استأثر الله سبحانه بعلمه.
يبين ذلك ويوضحه: أن المكلف قد يختار الصلاح وقد يختار الفساد على وجه السهو والعمد؛ فلو أباح الله للمكلف أن يحكم بما يختاره لكان فيه إباحة الحكم بما لا يأمن كونه فسادا، ومتى قيل: إنه يأمن ذلك لقوله تعالى له: إنك لا تحكم إلا بالحق.
قلنا: لا يجوز أن يقول له ذلك؛ لأنه لا يجوز أن يستمر من المكلف اختيار الصلاح دون الفساد من غير علم بأعيان الصلاح، كما لا يجوز أن يتعبد الأمي بالكتابة المحكمة إذ يستحيل حصول ذلك منه بالإتفاق؛ لأن حصوله على ذلك الوجه ينقض كون الفعل المحكم دلالة العلم، ومعلوم أن ما أدى إلى ذلك قضي بفساده إذ قد تقررت لديه صحته، وكذلك الأخبار بالصدق يستحيل حصوله بالإتفاق على وجه الإستمرار ممن لا يعلم مخبره، وفي تجويز هذا رفع الثقة بنبوة الأنبياء عليهم السلام التي تكون معجزتهم الخبر بالغيب على وجه الصدق مستمرا.
ولأنه لو جاز لشخص أن يعلم بالغيب مستمرا من غير علم بالمخبر لجاز من غيره من الأشخاص بل من سائر الأشخاص، لأن ما يحصل بالإتفاق لا تفترق فيه أحوال الناس، إذ لا يرجع فيه إلى دلالة ولا أمارة، فكذلك يرفع العلم بنبوة الأنبياء، وبنقض معجزاتهم، وذلك لا يجوز على ما هو مقرر في مواضعه من أصول الدين، ولأن ذلك يؤدي إلى أن يتعبد نبي أو أنبياء لا تظهر عليهم أعلام النبوة بأن يعلم الله من حال المكلف أنه لا يصدق إلا الصادق، وذلك باطل، ولأنه لو جاز ذلك في العالم لجاز في العامي؛ لأن ما يحصل بالإتفاق لا تختلف فيه أحوال العباد، وذلك خارج عما عليه الأمة ويؤدي إلى الحكم بالأهواء وتعطيل الشرائع وذلك لا يجوز.
صفحہ 366