288

صفوة الاختيار في أصول الفقه

صفوة الاختيار في أصول الفقه

اصناف

وحكى شيخنا رحمه الله تعالى انفصال أصحابنا عن ذلك بأن المحرم من البر علته واحدة وهو ما يتأتى فيه الكيل دون ما لا يتأتى فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع البر إلا كيلا بكيل، فأجاز بالكيل ما منع منه بغير كيل، والذي يجوز بيعه إذا تساوى في الكيل هو ما يتأتى فيه الكيل دون ما لا يتأتى فيه الكيل، فيجب أن يكون ما يتأتى فيه الكيل هو ما يحرم بيعه إذا تفاضل في الكيل، فهذا الذي ذكره رحمه الله تعالى من انفصال أصحابنا في كتابه في أصول الفقه، وفي المذاكرة إلا أن هذا الإنفصال لا يستقيم عندنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم بيع البر بالبر إلا مثلا بمثل يدا بيد، وأخبر أن من زاد أو ازداد فقد أربا، فكان هذا التحريم عاما شاملا دخل تحته القليل والكثير، فالإتيان بعلة خاصة لبعضه دون بعض لا يجوز لأن ذلك يؤدي إلى أحد أمرين باطلين:

إما إجراء الحكم في البعض بغير علة، وإما إخراج بعض ما تناوله النص بغير دلالة، وكل واحد من هذين الأمرين لا يجوز.

فأما الإنفصال عما ذكرت الشافعية، فإنما يصح عندنا بأن نقول إن الحبة والحبتين والحبات، وإن لم يتأت فيها الكيل على الإنفراد فهو متأت في ذلك مع الإنضمام فعلتنا شائعة في جميع البر؛ لأن كله مكيل جنس، وعلى أن مثل ما ألزمونا يلزمهم في علتهم؛ لأن الطعم أو الإقتيات لا يتأتى في كل جزء من أجزائه على الإنفراد، وإنما يتأتى فيه ذلك بانضمام بعض أجزائه إلى البعض، وإن لم يطعم منفردا أطعم مضموما، لذلك نقول، وإن لم يتأت الكيل في الحبة والحبتين منفردة يتأتى فيهما مضمومة؛ لأن الوسق وما فوقه مجموع أجزاء لا يتأتى في كل واحد منها على انفراده الطعم، ومجموع حبات لا يتأتى فيها ذلك منفردة -أعني الكيل- فمهما انفصلوا به انفصلنا بمثله، فأما الكلام في ترجيح أحد العلتين على الأخرى فسيأتي فيه الكلام إن شاء الله تعالى.

صفحہ 313