صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
اصناف
ليس في العالم طرا من يجهل ما لسمو الأمير الجليل من الأيادي البيضاء على العلم والتاريخ، وتعضيد المشروعات المفيدة والأعمال النافعة، التي تنهض بالمجتمع إلى ذروة الكمال، وترفع من شأن الأمة التي شرفها حظها بانتساب ذلك الأمير الجليل لها، فلكم تجشم من الصعاب والأخطار في الأسفار طلبا لرفعة شأنها بما يدونه من مشاهداته في أسفاره مما يفيدها ويعلي شأنها، ولقد قام بالسياحات العظيمة وحرر بها المذكرات التي تشهد بمقدرته العلمية التي أوقفها على خدمة بلاده فمن ذلك رحلاته في أوربا وأمريكا واستنتاجه أن الهنود الأمريكيين قد رجع جنسهم إلى جنس سكان آسيا، واستنتج أن سفرهم إلى أمريكا كان عن طريق كمتشكا، كما جاء في رحلته المباركة «صفحة 185 حيث قال حرسه الله»:
لما رأيت في منشوريا اليورجوت وقارنتهم بصور الهنود الأمريكيين، التي رأيتها في بطاقات البريد (الكارت بوستال)، التي اشتريتها في مكدن علمت وقتئذ أنه لا بد أن تكون هنود أمريكانيين هؤلاء اليورجوت ومن سكان شمال آسيا، وليس ببعيد أنهم هاجروا إلى هذه البلاد في الزمن القديم من طريق كامتشكا، وعلى ذلك الرأي يكون الآسيويون هم البادئون في اكتشاف أمريكا قبل كريستوف كولمب، ولكن لما كانت حالتهم وحشية ومعارفهم قاصرة، واختلاطهم بباقي العالم معدوما ولا توجد بينهم وبين الأوربيين مواصلات ولا مكاتبات، فإن اكتشافهم لم يعلم به أحد ومع ذلك لا يمكن تأييد هذا الرأي بإقامة برهان عليه من معلومات هؤلاء الهنود أنفسهم؛ لأنهم لا يعرفون أصل أنفسهم، ولا يدرون تاريخهم فإذا لا يمكن الإتيان ببراهين قاطعة على حجة هذا الرأي، إلا مثل هذا الاستنتاج الذي وصلت إليه أثناء زياراتي منشوريا ومقارنتي سكانها بهؤلاء «الهنود الأمريكيين»، فهذا مثل بسيط نزفه إلى القراء والتاريخ من الأمثلة الكثيرة التي يقدمها سمو الأمير الجليل لخدمة العلم.
صفاته وأخلاقه
إن صفاء وجدانات سمو الأمير الجليل وحلاوة أخلاقه وعذوبة حديثه وتواضعه، حتى يستأنس بحديثه محدثه لدلائل كافية على عظمته، وإنك لا ترى عظيم الذهن إلا وهو عظيم النفس عظيم الخلق عظيم بالنظر إلى قلبه ونفسه، وإلا فكيف يعرف النظر إلى قلوب الناس، واستقراء ضمائرهم ووجداناتهم من تكدرت نفسه واحتجبت وراء سحاب من الأكدار والأقذاء، وهو عظيم الإخلاص لوطنه المحبوب محب للخير، وفوق ذلك يعشق الطبيعة وجمالها ومناظرها، ويحسن وصفها بأبلغ ما يمكن أن يتصوره أي إنسان، وإنه يميل إلى الهدوء والسكينة وأكبر دليل على ذلك اختياره لتلك النقطة الجميلة الهادئة ذات المناظر الطبيعية الخلابة، التي بنى عليها قصره الفخم بجزيرة الروضة، وما حواه ذلك القصر العامر من كل ما يبهر العقول، وإلى القارئ الكريم وصف بسيط لذلك القصر:
قصر سمو الأمير الأثري ومنتزهه الفخم
يقع القصر بجزيرة الروضة وهذه النقطة من أهم الضواحي التي تحوي المناظر الطبيعية، يشرف على النيل وبه حديقة غناء من أبدع حدائق العالم مساحتها نحو الخمسة والثلاثين فدانا، خط في وسطها منتزه بديع يحوي الزهور بأنواعها، وهي التي أحضرها خصيصا من جميع أنحاء العالم، ولا غرو فسمو الأمير الجليل مغرم بالأزهار وترتيبها، وقد أمر سموه فترجم كتاب الزهور الذي يقع في نيف ومائتين وخمسين صفحة من القطع الكبير على ورق مصقول بطبع جميل، وقد حوى من البحث في أنواع الزهور ما يفيد مصر فائدة عظمى في هذا العلم الجميل، وقد قام برحلته الميمونة في جنوب أفريقيا باحثا ومنقبا عن النباتات، التي يصح نقلها وتربيتها بالديار المصرية، وكتب هذه الرحلة المباركة في ست وتسعين صفحة حوت حالة تلك البلاد النائية، وأخلاق وعادات أهلها، وتربة أرضها وجوها - إلخ، مما يجعل المطلع يظن أنه ذهب إلى تلك الجهات وسبر غورها، وذلك من عادات سموه في كل رحلة من رحلاته، فإنه لا يألوا جهدا حرسه الله في إبداء الآراء والأفكار الصائبة في كل صغيرة وكبيرة من الآراء التي تعود بأعظم الفوائد على العلم وطلابه.
وعند مدخل سراي سمو الأمير يجد الداخل ديوانا خاصا لمكتب سموه من الجهة اليمنى، وكذا مكتبا خاصا لحضرة سكرتيره الخصوصي والكتبة، وقد كتب بأعلا مكتب سموه هذه الآيات الشريفة
إن الله على كل شيء قدير
وكذلك توجد آيات قرآنية شريفة عديدة بأعلا الأبواب والحوائط والشبابيك؛ حتى يخيل للرائي أنه بداخل أعظم متحف أثري مصري في عموم الشرق، ويوجد أيضا بجميع الأسقف نقوش بألوان براقة جميلة محلاة بماء الذهب الوهاج، الذي يأخذ بريقه بالأبصار، فسبحان الخالق جلت قدرته حيث جعل في بني الإنسان هذه المقدرة الفنية الفائقة، خصوصا وأننا نعلم أنها من صنع إخواننا المصريين والشرقيين، وقد أنفق عليها سموه أموالا طائلة، أما سراي سموه الخصوصية الواقعة في وسط الحديقة، فمما يبهر العقول ويدهش الألباب، حيث جميع الأسقفة والأبواب والشبابيك، بل وكل الأثاثات منقوشة بالآثار العربية العظيمة القيمة، وذلك غرامه الوحيد وشغفه الفريد، ولسموه ولع أيضا باقتناء جياد الخيل العربية ولديه منها عدد وافر في إسطبلاته العامرة، أبقاه الله قرة عين البلاد ولا أحرم الكنانة من علمه الغزير وأياديه البيضاء.
حضرة صاحب السمو الأمير الجليل يوسف كمال باشا. (4) ترجمة حضرة صاحب السمو الأمير الجليل يوسف كمال باشا
نامعلوم صفحہ