صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
اصناف
ولم يقتصر فخر الأستاذ ولا فخر بيته على تلك الحركات الوطنية في أوقاتها، بل في كل آونة يشهد الزمان والمكان للفرع وأصله بمكرمات يضيق عنها الحصر، ولا يسعها العد إرشادا إلى الدين القويم ونشرا للعلم الشريف، وإغاثة الملهوف وتفريج كرب المكروبين، والأخذ بيد المظلومين، ورد جراح الظالمين.
صفاته
صلب في الحق، قوي في مبدئه، إذا خطب جذب القلوب بشهي ألفاظه، ودرر معانيه، وهو مثال الدعة، وكرم الأخلاق، وعلو النفس والشهامة.
أسبل الله عليه ثوب العافية ولا أحرم الكنانة من كبير وطنيته، وسامي عواطفه، وجليل خدماته.
صاحب الفضيلة الشيخ إبراهيم الجبالي
هو الشيخ إبراهيم الجبالي ابن فضيلة الشيخ حسن الجبالي، الذي كان من أفاضل رجال العلم في بلدته، ويرجع إليه في الشؤون الدينية وغيرها ابن الحاج يوسف الجبالي سليل بيت المجد، وفرع دوحة الحسب والنسب الطاهر، ولد بناحية الرحمانية مركز شبراخيت من أعمال مديرية البحيرة في غرة المحرم سنة 1295ه الموافق 5 يناير سنة 1878م، فاعتنى المرحوم والده بتربيته التربية المنزلية المؤسسة على الصلاح وتقوى الله، ولما شب على ذلك، وأتم تلك التربية على ما يرام بما يتفق مع أصول الدين الحنيف، وبدت عليه سيما النبل والذكاء والشغف العظيم إلى ارتشاف العلم والتبحر في الدين، لما كان يبدو عليه أثناء اشتغاله بحفظ القرآن الكريم على يد أصلح المشايخ الذين اختارهم المرحوم والده؛ لتغذيته بلبان الدين الحنيف وتثقيفه بما يتفق مع روح العصر الحاضر عملا بالقول المأثور: «علموا أبناءكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم».
عندما بدا عليه ذلك وقد أتم حفظ القرآن التحق بتلك الجامعة الإسلامية الكبرى ينبوع العرفان، ومصدر نور العلم في الشرق الذي هو مهد العلوم والمعارف، ومسقط رأس بني الإنسان، ألا وهو الأزهر الشريف، وذلك في 15 شوال سنة 1307ه، فسار في الأزهر بخطوات واسعة، ووثبات عظيمة في سبيل العلم حتى كان لا يهنأ له زاد، ولا يلتفت إلى شيء ما غير العلم الذي استلذ مذاقه، ووجد فيه أطيب غذاء لروحه ونفسه العالية إلى أن حصل على الكثير من العلوم وفنونها، ونال أعظم شهادة دينية ألا وهي شهادة العالمية من الدرجة الأولى في 18 ربيع الثاني سنة 1322/يوليو سنة 1904م، وكان هذا النجاح الباهر والتفوق النادر مدعاة إلى تعيينه مدرسا بالأزهر على أثر ذلك، فكان أعذب منهل ينهل منه ويعل حتى صار موضع حديث الخاص والعام من العلماء لا يذكرون اسمه إلا مصحوبا بكل تجلة واحترام وإعجاب، ولما كان من أكبر المقاصد التي دعت إلى مشيخة علماء الإسكندرية هو إيجاد نظام متقن للتعليم الأزهري، يتمشى مع روح العصر الحاضر، ويتفق والحياة الجديدة للأمة ويضمن بقاء زمن ميزة التعليم الأزهري، وهي تقوية الملكات وتربية المدارك، وتنبيه قوة التأمل والبحث، فانتخب لذلك أربعة من أفاضل المتفوقين من العلماء عرفوا بالرجحان في الذكاء والقوة في العلم؛ ليواصلوا الجد والتفكير مع شيخ المعهد، على أن يتوصلوا إلى نظام يقوم بتلك الحاجة، فكان المترجم أول من انتخب لذلك مع إخوانه، ونقل إلى مشيخة علماء الإسكندرية في سنة 1905م، وبفضل بحثهم هذا توصلوا إلى وضع هذا النظام الذي يسير عليه معهد الإسكندرية، وقد أنتج النتائج الملموسة التي حققت تلك الفكرة العظيمة، وجرب في معهد طنطا فأنتج النتائج المرجوة، فعمم في جميع المعاهد وهو ذلك النظام المتبع الآن مع بعض التعديل، واستمر بهذه المشيخة يعمل على إعلاء شأنها إلى صفر سنة 1320ه/يناير سنة 1912م، حيث عين مراقبا للتعليم بها، فأظهر من الحزم واليقظة ما جعل حالة المشيخة في تلك المكانة من الكمال.
وفي صفر سنة 1338ه/نوفمبر سنة 1919م ندب للتدريس بالجامع الأزهر، ولمراقبة قسم الوعظ والإرشاد وعهد إليه بتعليم الوعظ والخطابة به، فكان الروح الفعالة التي انبعث منها ذلك الرقي العلمي، وهذا التقدم العظيم؛ ولذلك عين شيخا للمعهد العلمي الديني بأسيوط، وكان ذلك في الثالث عشر من المحرم سنة 1339ه الموافق 26 سبتمبر سنة 1920م، حتى يرقى به ويجعله يسير في طريق التقدم إذ كان ذلك المعهد من المعاهد الصغيرة، التي كانت بالدرجة الثالثة يعلم فيه علوم القسم الأولى فقط، وكان عدد من يحويه من الطلاب هو 354 طالب فقط، فلم يمض به السنتين حتى صار ذلك المعهد العظيم، وأصبح يموج بالطلاب الذين بلغ عددهم 1172 ونقل إلى الدرجة الثانية، وبه من العلماء خمسون عالما وأصبح في صف معهدي الإسكندرية وطنطا؛ لأن الأزهر وحده هو المعهد الذي بالدرجة الأولى، حيث تدرس به العلوم العالية وقد أحرز الطلبة والعلماء ميزة المرتبات المستحقة لأمثالهم في المعاهد الأخرى، التي كانوا محرومين منها قبل ذلك.
وقد جعل للطلاب مساكن خاصة يقيمون فيها مجانا في مكان فسيح طلق الهواء، وكان ذلك أثرا من الآثار الحسان التي استفادتها البلاد من الزيارة الملكية، وتشريف الركاب العالي بلاد الصعيد جعل الله عهده الشريف أبرك عهد سعيد آمين، وعندما رأى ذلك صاحب الجلالة سر كثيرا وأنعم على المترجم بكسوة التشريفة العلمية من الدرجة الثانية، وكان ذلك في 9 أكتوبر سنة 1921م، وفي 2 ربيع الأول سنة 1342ه/12 أكتوبر سنة 1923م، نقل إلى معهد الزقازيق؛ ليجعله في تلك المكانة العظمى التي امتازت بها المعاهد الأخرى على يدي فضيلته، ولما كان هذا المعهد لم يتم إنشاؤه ندب لرياسة التفتيش بالأزهر والمعاهد الدينية الإسلامية، فقام بما عهد إليه خير قيام وفي 23 فبراير سنة 1924م عين عضوا بمجلس الشيوخ مع بقائه بوظيفتيه العلميتين بالمعاهد مشيخة معهد الزقازيق ورياسة التفتيش بالأزهر والمعاهد، وما ذلك إلا لنبوغه النادر وإحسانه لكل عمل يسند إليه، وثقة صاحب الجلالة مولانا الملك، فأنعم به وأكرم وحق لمصر أن تفاخر به أكابر العلماء بجميع الأقطار عامة.
صاحب الفضيلة الشيخ إبراهيم الجبالي العضو المعين بمجلس الشيوخ سابقا والمفتش بوزارة المعارف العمومية للأمور الدينية.
نامعلوم صفحہ