صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
اصناف
حضرة صاحب الدولة الجليل عدلي باشا يكن رئيس وزراء الحكومة المصرية سابقا والعضو المعين بمجلس الشيوخ.
غير أنه بعد الأخذ والرد وبالرغم من المساعي الكثيرة، التي بذلت للتوفيق بين عدلي باشا يكن وسعد باشا زغلول لم يحصل الاتفاق المرغوب، فعين الوفد الرسمي برئاسة عدلي باشا يكن مؤلفا من: حسين رشدي باشا، إسماعيل صدقي باشا، محمد شفيق باشا، أحمد طلعت باشا، يوسف سليمان باشا، ومهما تكن نتيجة المفاوضات، فقد أصبح لعدلي باشا منذ الآن شخصية تاريخية خطيرة الشأن، ولنقدم إذا إلى ذكر شيء عن سيرته وأخلاقه ومناقبه. •••
إن كلمة يكن التركية تعني «ابن الأخت»، وقد أطلقت في مصر على الأسرة المتفرعة من أخت محمد علي باشا الكبير مؤسس العائلة المالكة، فعدلي باشا يكن بن خليل باشا يكن بن إبراهيم باشا يكن ابن أخت محمد علي الكبير.
مولده ونشأته
ولد صاحب الترجمة الجليل سنة 1866م، ونشأ كريما بين أعضاء أسرته الكريمة، حتى إذا بلغ الثامنة من عمره توجه مع المرحوم والده إلى الأستانة العلية، وأقام فيها نحو ثلاث سنوات قضاها في درس مبادئ العلوم وإتقان اللغات بذكاء نادر وفطنة وقادة تلوح منهما علائم النجابة، ثم عاد إلى مصر ودخل مدرسة «الفرير»، ثم مدرسة اليسوعيين، فحصل على مجموعة علمية تشهد له بالتفوق والنبوغ، وامتاز بالآداب السامية وتقوت لديه ملكة الإنشاء فسمت به آدابه ومواهبه إلى الانتظام في سلك الخدمة سنة 1880م بمصالح الحكومة، فألحق بقلم الترجمة بوزارة الداخلية، ونقل منها إلى قلم المطبوعات، ثم انتخب سكرتيرا خاصا لنوبار باشا، وكان وزيرا للخارجية، وبعد ذلك صار يتنقل في الأقاليم لرقيه في الوظائف الإدارية.
ففي سنة 1891م عين وكيلا لمديرية المنوفية، ووكيلا لمديرية المنيا، ثم وكيلا لمحافظة القنال، وفي سنة 1895م عين مديرا للفيوم فالمنيا فالشرقية فالدقهلية فالغربية ثم محافظا لمصر، ثم مديرا لعموم الأوقاف، ثم ارتقى إلى منصب الوزارة فكان وزيرا للخارجية، ثم وزيرا للمعارف ثم عين أخيرا رئيسا لمجلس الوزراء ورئيسا للمفوضين الرسميين لعقد الاتفاق بين مصر وإنكلترا، وهي المهمة السامية التي تليق بقدره ومزاياه، وتشهد كفاءته بأنه خير من يتولاها من المصريين كافة؛ ولذا حسن اختيار جلالة الملك لدولته فتولاها بمهارة سياسية فائقة، وعاد عاطر الذكر عزيز الجانب حافظا لحقوق وطنه، محافظا على علاقات حسن التفاهم مع قطع المفاوضة.
فيرى القارئ مما تقدم مقدار تعدد الوظائف التي نقل إليها عدلي باشا يكن، وتدرجه في الوظائف من أبسطها إلى أرقاها، ثم إلى أسماها مقاما فكان ذلك من أهم الأسباب - مع استعداده الفطري - لتوسيع دائرة أفكاره، وتقوية المشاهدات الدالة على متانة اختباره، وأنضج في شخصيته البارزة سلامة الذوق وقوة العارضة بمتانة في الرأي لا تبارى، وأعده لإتمام المهمة الخطيرة التي كلف القيام بها، فتخلص بما يشهد له بالبراعة الأمة بأسرها بإعلان اعتداله، والعرفان لفضله، وتخليد ذكرى ماضيه الشريف بجميل يدوم مدى الدهر. •••
ولعدلي باشا يكن سجايا وميزات يندر أن تجتمع لشخص سواه، فمن المشهور عنه أنه عزيز النفس شديد الإباء، مترفع عن السفاسف، رقيق الطبع، لطيف الشمائل، شديد المحافظة على كرامته، واسع الحلم، قليل الكلام، نزيه النفس واللسان، وقد كان في جميع أدوار حياته مثلا أعلى في الاحتفاظ بكرامته، فلم يعرف عنه ملق ولا محاباة ولا تصاغر أمام مستشار أو مفتش، كما كانت سنة زملائه المديرين في ذلك العهد وكان بينهم قدوة حسنة لا تسامى.
وقد صرح أحد أصدقائه الذين يوثق بإنصافهم وصدق نظرهم يصف شيئا عن أخلاقه وصفاته فقال:
ومن أخص صفاته مواظبته على المطالعة والدرس فتعلم الإنكليزية، ودرس السياسة والاقتصاد السياسي على معلم خاص، وتعلم ميوله من زيارة دقيقة لمكتبته فإنك ترى فيها المؤلفات الممتعة لرجال السياسة والقوانين الدولية والاقتصاد ما لا يوجد عند غيره، وترى آثار الدرس والإمعان ظاهرة على صفحات تلك المصنفات، وترى سلامة الذوق في أحاديثه وجدله حتى تظن أنه ممن تعمقوا في درس المنطق، وكثيرا ما لاحظ عليه أصدقاؤه ومعارفه أنه شديد الإصغاء لمحدثه قليل الإشارات، فلا يلبث أن يهدم محدثه بكلمة نقد أو سؤال يكبر الرجل في أعين سامعيه، ويدلهم على فضله ومكانته من التعقل وزنة الأمور .
نامعلوم صفحہ