قال السفاح لأبي دلامة يوما: سلني، فقال: أسألك كليًا، قال: اصطاد به؟ قال: اصطاد به، قال: تعطى قال: ودابة تكون معه، قال ودابة، قال وغلام يخدمها، قالا وغلام يخدمها، قال وجارية تعمل ما يصاد، قال وجارية، قال يا أمير المؤمنين: هؤلاء عائلة ولابد لهم من دار يسكنونها، قال ودار، قال: يا أمير المؤمنين، وضيعة لقوتهم، قال وضيعة تقطع إياها مائتي جريب عامرة ومائتي جريب غامرة، قال: وما الغامر؟ قال ما لا نبات فيه. قال: يا أمير المؤمنين: فقد أقطعتك خمسمائة ألف جريب من فيافي بني أسد عامرة، قال فيجعل الجميع عامرًا، فهل بقي لك شيء؟ قال: نعم، يدك أقبلها، قال: أما هذه فلا، قال، والله يا أمير المؤمنين ما منعتني شيئًا أهون علي من هذه.
حدثني صديقي الرئيس الأديب أبو الهيجاء الشاعر قال: حدثنا قاضي القضاة، أبو بكر الشامي قال: كان عندنا بمدينة حماة، قاضي يكنى بأبي الفرج، فكتب إليه بعض أصدقائه [الرمل]
بعضُ منْ غارمني لامني ... ثم قد عولَ يدعوني إليكَ
وعلى فضلكَ عولتُ بهِ ... مثل ما عول في العذل عليكَ
فعسى عندك ما تكنى به ... وعسى لي راحة في راحتيكَ
فنفذ له ما قضى دينه به واستبقى منه بقية قيل إن رجلًا سأل معن بن رائدة عيرا تحمله، فقال يا غلام: أعطه عيرًا وبغلًا وفرسًا وبرذونًا وبعيرًا وسفينة وجارية، ولو عرفت مركوبًا غير هذا لأعطيتك. لأبي الفضل الربعي: [البسيط]
العين تبدي الذي في نفس صاحبها ... من الشنأة أو ودًا إذا كانا
إن البغي له عينٌ يقلبها ... لا يستطيع لما في النفس كتمانا
وعين ذي الود ما تنفكُّ مقبلةً ... ترى لها محجرًا بشًا وإنسانًا
ذكر إنه اجتمع عند عبد الملك بن مروان، جميل وكثير وعمر بن أبي ربيعة، فأمر بناقة: فأوقرت ورقًا، ثم قال: ليقل كل واحد منكم أبياتًا في العدل، فأيكم كان أحسن قولًا فهي له: فقال جميل بن معمر: [الطويل]
حلفتُ يمينًا يا بثينة صادقًا ... وإن كنتُ فيها كاذبًا فعميتُ
حلفتُ لها والبدُ تدمي نحورُهَا ... لقدْ شقيَتْ نفسي بكم وعيتُ
قفلو أن جلدًا غيرَ جلدكَ مسَّني ... وياشرني تحتَ السماء سريتُ
ولو أن داعي الموت يدعو جنازتي ... بمنطقكم في الناطقين حييبُ
وقال كثير بن عبد الرحمن: [الكامل]
بأبي، وأمي أنتِ منْ معشوقةٍ ... طبَر العدوِّ لها فغيَّرَ حالها
وسعي غليَّ بعيبِ عزةَ نسوةٌ ... جعل الإلهُ خدودهن نعالها
ولو أن عزة خاصمتْ شمسَ الضحى ... بالحُسنِ عند موفقٍ لمقتضاها
وقال عمرو بن أبي ربيعة: [الطويل]
ألا ليتَ أني حينَ تدنو منيتي ... لثمتُ الذي ما بينَ عينيك والفمِ
وليتَ طهوري كان ريقك كلهُ ... وليتَ حَنُوطِي من مشاشِكِ والدمِ
وليتَ سٌليمى في المماتِ ضجيعتي ... تجاورُني في جنةٍ، أو جهنمِ
فقال عبد الملك: يا صاحب جهنم دونك، والناقة بما عليها روي أن فتىً من الأعراب خطب ابنة عم له، وكان معسرًا فأبى عمه أن يزوجه، فكتب إلى عمه هذه الأبيات: [البسيط]
يا هذهِ كم يكونُ اللومُ، والفندُ ... لا تنكري رجلًا أثوابُهُ قددُ
إنْ يمسَّ منفردًا فالبدرُ منفردُ ... والليثُ والسيفُ والخطر منفردُ
إن كنتَ أنكرتِ ثوبيهِ وقد خلقَا ... فالبحرُ من فوقهِ الأقذاءُ والزبدُ
إن كان صرفُ الليالي ردَّ بزَّتهُ ... فبينَ ثوبيهِ منهُ ضيغَمٌ ليدُ
قال فدخلت على أبيها بالأبيات، فقال ما أريد بذلك صداقًا غيرها، فدعاه فروجها إياه. ذكر أن معاوية ركب يوم صفين دابته عازمًا على الهرب قال فذكرت أبياتًا لعمرو بن الإطنابة، وبها ثبت: [الوافر]
أبتْ لي عفتي وأبا بلائي ... وأخذِ الحمدِ بالثمنِ الربيحِ
وإقدامي على المكروهِ نفسي ... وضربي هامةِ البطل المسيحِ
وقولي كلما خبأت وجاشتْ ... مكانك تُحمدي أو تستريحي
ما أحسن، قول طريح بن اسماعيل: [البسيط]
لا تأمنَنّ امرءًا أسمنتَ مهجتَهُ غيظًا ... وإنْ قلتَ إن الحِقدَ يندملُ
قد يظهر المرء تجميلًا لصاحبه ... وفي حشاهُ عليه لا حج يعلُ
فاقبل من المرء ما أبدى وجازيه=وليحرسنَّكَ سوءُ الظنِّ والوجلُ
1 / 46