كان عمر بن عبد العزيز يقول: اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك، وهو توحيدك، ولم أعصيك في أبغض الأشياء إليك، وهو الكفر، فاغفر لي ما بينهما. قال المنصور لرجل من بني أمية كان في حبسه ما ذهب بكم، فقال شرب العشيّان، وإسناد الأمور، إلى غير الكفاءة فالتفت إلى ولده المهدي وقال: احذرها يا أبا عبد الله. نظر بعض ملوك الفرس إلى مملكته فقال: هذا ملك لولا أنه هلك، وسرور لولا أنه غرور، وأنه ليوم لو كان يوثق له بعد. دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا أعرابي صف لي الخمر فأنشد: [الطويل]
شمولٌ إذا شجت وفي الكأسِ وردةٌ ... لها في عظامِ الشاربينَ دبيبُ
تريكَ القذى من دونها وهي دونهُ ... لوجهِ أخيها في الإناءِ قطوبُ
فقال، ويحك لقد اتهمتك عند ظني بك في وصفك بها.
روي أن الفضل بن الربيع كلم رجلًا في أصحابه فقال، وقد كلمتك في فلان، وقد ملأ الأرض ثناء، والسماء دعاء وكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء من شكر لك على درجة رفعته إليها، أو ثروة أفدته إياها فإن شكر إياك على مهجة أحييتها وحشاشة بقيتها ورمق أمسكت منه، وقمت بين التلف وبينه أنشد بعضهم شعره: [الطويل]
ولي عدَّةٌ قد راثَ عيني نجاحها ... ورأيكَ أعلاَ رأيهِ في اقتضائها
عطاؤكَ لا يفني ويستغرقُ المنى ... ويبقي وجوهَ الرّاغبينَ بمائها
شكوتُ وما الشكوى لمثلي عادةٌ ... ولكن يفيضُ النفسَ عندَ امتلائها
ذكر الشيخ الإمام أبو علي الحسن بن البنَّا ﵀، قال أخبرنا عبيد الله بن أحمد، قال: حدثني القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا أن علي بن محمد بن سعيد حدثهم، قال: حدثني الحسن بن عليل العنزي.
قال أخبرنا أبا عبد الله بن عبد الرحمن الرازي قال: خرج الفضل بن يحيى بن برمك ﵀، في بعض الأحيان متعبدًا فإذا أعرابي قد لقيه على ناقة له، فلما نظر الأعرابي إلى عظم موكب الفضل، نزل عن ناقته ودنا من الفضل وقال: السلام عليك، نعمت صباحًا يا أمير المؤمنين، قال ليس بأمير المؤمنين قال: فالوزير أصلحك الله، قال: ولا الوزير، قال فالفضل بن يحيى، فأمسك الفضل وقال: وما الذي أوفدك يا أخا العرب؟ قال قصدت الفضل بن يحيى، قال: ولم لم تقصده في بيته؟ قال لكثرة حجابه وسوء أدب أصحابه، قال: فما بلغ من أمرك يا أعرابي؟ قال أهجو فأفضح، وامدح فأقدح، قال له الفضل: فما وسيلك الآن إلى الفضل؟ قال بيتان من الشعر قلتهما فيه؟، قال له الفضل: أنشدنيهما، فإن كانا حسنين دللتك عليه، فأنشد الأعرابي يقول: [الطويل]
ليفرحَ بالمولودِ من آل برمكٍ ... ذواتِ النَّدى والرُّمحِ والسَّيفِ ذي الفضلِ
وثبنا به الآمالَ فيهِ لفضلهِ ... ولا سيَّما أن كانَ من ولدِ الفضلِ
فقال له الفضل: إنهما لحسان، فإن قيل لك أنهما ليسا من قبلك، وأنهما مسترقان من قول العرب، فما تصنع؟ قال أنشده أحسن منهما قال فأنشدنيهما فغن كانا حسنين دللتك عليه فأنشأ يقول: [الطويل]
ألم ترَ أن الجودَ من صلبِ آدمٍ ... تحدَّرَ، حتَّى صارَ في راحةِ الفضلِ
توارثهُ الفضلُ بنُ يحيى بن برمكٍ ... كذا كلُّ مولودٍ يصيرُ إلى الأصلِ
فقال له: إنهما لحسان فإن قيل لك أنهما ليسا لك، ولا من قولك، وأنهما مسروقان من قول العرب، فما تصنع؟ قال أنشده أحسن منهما، قال له: أنشدني فأنشأ يقول: [الطويل]
ولو قيلَ للمعروفِ من ذا أخا العلى ... لنادى بأعلى الصَّوتِ يا فضلُ يا فضلُ
ولو أنَّ ما أعطاهُ من رملِ عالجٍ ... لأصبحَ من جدواهُ قد نفدَ الرَّملُ
إذا أمُّ طفلٍ مصَّها جوعُ طفلها ... غذّته باسم الفضلِ فاستطعم الطّفلُ
فقال إنهما، والله لحسان، فإن قال لك إنهما ليسا من قبلك ما تصنع؟ قال أنشد أربعة أبيات لم تسمع العرب، ولا العجم يمثلهما، قال فأنشدنيهما فإن كانت حسانًا دللتك عليه فأنشأ يقول: [الطويل]
ولائمةٍ لامتكَ يا فضلُ في النَّدى ... فقلتَ هل ينجحُ اللومُ في البحرِ
كانَّ وفودُ النَّاسِ من كلِّ بلدةٍ جاءت ... إلى الفضلِ لاقوا عندهُ ليلةَ القدرِ
كأنَّ سحابُ الفضلِ في كلِّ ... تحدَّرَ ماءُ المزنِ في البلدِ القفرِ
1 / 20