فكان ينظر يمينا وشمالًا، ولا يرى شخصا ولا خيالا، فبينما هو في بعض الأيام قائم على جبل حراء، إذ ظهر له شخص فقال: أبشر أنا جبريل وأنت رسول الله لهذه الأمة، ثم أخرج له قطعة نمط من حرير مرصع بالجواهر ووضعها في يده ﷺ وقال: اقرأ. قال: "والله ما أنا بقارئ ولا أرى في هذه الرسالة كتابة" (١) قال: فضمنى إليه وغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أطلقنى وقال: اقرأ: فقلت: "لست بقارئ" فغطنى حتى بلغ منى الجهد. فعل بى ذلك ثلاثا وهو يأمرنى بالقراءة.
ثم قال: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الًاكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ (٥)] (٢) ثم قال: انزل عن الجبل، فنزلت معه إلى قرار الأرض، فأجلسنى على درنوك وعليه ثوبان أخضران، ثم ضرب برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضأ جبريل منها: تمضمض واستنشق وغسل كل عضو ثلاثا، وأمر النبي ﷺ أن يفعل كفعله. فلما تم وضوؤه أخذ جبريل كفا من ماء يفرش به وجه الرسول، ثم قام وصلى ركعتين والرسول مقتد به ثم قال: الصلاة هذا.
ولما فرغ من الوضوء والصلاة والتعليم غاب جبريل، وجاء الرسول إلى مكة وقص على خديجة القصة، وعلمها الوضوء والصلاة (٣). فناسب بعد تمهيد هذه الفاتحة أن نبتدئ أبواب العبادات النبوية بذكر كيفية الوضوء والصلاة، ونلحق بها الصيام، والأدعية وغيرها من العبادات إن شاء الله الكريم.
_________
(١) هذا جزء من حديث طويل أخرجه الشيخان وغيرهما بتمامه، انظر صحيح البخاري كتاب الحيل، باب التعبير (ج ٨ ص ٦٧)، ومواضع أخرى انظر فتح الباري لابن حجر (ج ١٢ ص ٣٥١ - ٣٥٢) و(ج ١ ص ٢٢)، (ج ٨ ص ٧١٥، ٧٢٢) وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي (ج ١ ص ١٣٩).
(٢) سورة العلق: ١ - ٥.
(٣) ما ورد في الصحيحين فيه اختلاف في بعض ألفاظ الحديث الذي أورده المصنف في كتابه، وبعد البحث لم أجد الفاظ المصنف بعينها في كتب الحديث إلا أن أصل الحديث بنحو الفاظ المصنف قد ورد في دواوين السنة انظر: صحيح البخاري (ج ٨ ص ٦٧) وصحيح مسلم (١/ ١٣٩).
1 / 23