وتعالى ضحكنا، وودعت سعيدا عند باب الفندق الذي ينزل فيه، وقال لي: سأصحو مبكرا لأحضر سيارتي من الجراج، وسأتولى نقل المحكوم عليهم بالزواج إلى منزل الزوجية في طنطا بسيارتي ... لقد اتفقت مع عبد الجواد أن أمر عليه الساعة 11,30.
وضحكت لفكرة استيقاظه مبكرا؛ فقد كان الفجر يؤذن حين استأنفت أنا السير إلى منزلي ... وسافر عبد الجواد وعروسه إلى طنطا بسيارة سعيد بعد ظهر اليوم التالي، وعاشا حياة هانئة طيبة ... حياة لمست أنا مقدار بهجتها حين ذهبت إلى طنطا بعد ذلك بعدة شهور، وتغدينا ومعنا سعيد.
كان كل شيء ينطق بأن عبد الجواد سعيد ... البيت المنظم الأنيق، والعذوبة التي يتحدث بها الزوجان، ونظرات الحنان التي يتبادلانها، كل شيء يدل على أن زواج عبد الجواد كان موفقا.
وقال لي سعيد بعد ذلك إنه يقضي أغلب وقته معهما، وإنه سوف ينتهي به الأمر إلى الزواج.
وإذا ضمنت أني سأجد زوجة مثل منيرة فثق أني سأتزوج فورا، إن عبد الجواد زوج مثالي حقا؛ لكنه لم يكن ليحظى بهذه السعادة لو لم تكن زوجته بدورها زوجة مثالية.
وقص على سعيد كيف فتح زواج عبد الجواد أبواب الرزق أمامه؛ فقد اتسعت أعمال مكتبه ففكر في أن يفتح مكتبا آخر في المحلة الكبرى، وأن منيرة تشجعه على ذلك، وستسافر معه إلى المحلة لتشرف على تأثيث المكتب.
وبعد الظهر اجتمعنا، أنا وسعيد وعبد الجواد ومنيرة، في شقة سعيد لنشرب الشاي، ورأى عبد الجواد تمثالا لطيفا من البرونز على مكتب سعيد، تمثالا لفتاة تحمل قيثارة، أعجب به، وسأل سعيدا من أين اشتراه؟ وصمت سعيد برهة، ثم قال: تعرف لقد كنت أفكر منذ مدة عن مكان هذا التمثال الملائم، لقد تذكرت الآن أنه ظهر البيانو الفخم في منزل الأستاذ عبد الجواد، يجب أن نصحح الأوضاع.
وحمل عبد الجواد التمثال بعد إلحاح سعيد إلى منزله، وقال سعيد وهو يودعني على محطة طنطا: كنت أبحث عن مكان نظيف أضع فيه هذا الأثر الغالي، الحمد لله الذي أعجبهم التمثال ... أنت تعرف كم هو غال عندي.
وكنت أعرف فعلا قصة هذا التمثال ... إنه الأثر الباقي لسعيد من شقيقه الذي توفي في باريس منذ أعوام، وهو يدرس الفن ... التذكار الوحيد الذي أرسله لسعيد قبيل وفاته بأسابيع ... وكان سعيد يحتفظ به، ويحرص عليه.
إن حياة الزوجين تمضي في طريقها، ورسائل سعيد تصل حلقات الذكريات ... في كل منها ذكر لعبد الجواد وأخباره، لقد أصبح عبد الجواد من أشهر محامي طنطا، ونجح مكتبه في المحلة، وهو يذهب إلى المحلة ثلاث مرات في الأسبوع ... وفي كل رسالة من رسائل سعيد يأتي ذكر عبد الجواد، فهو منذ حضرت شقيقته لتقيم معه في طنطا يرى عبد الجواد وزوجته كل يوم تقريبا، بل يقضيان معا أغلب الليالي ... وفي إحدى هذه الرسائل يقول: ... إننا الآن كأسرة واحدة، وقد كان لمنيرة الفضل الأكبر في أن تنسى شقيقتي نكبتها في زواجها فهي تزورها باستمرار، وحينما تضطر للبقاء في المنزل تصر على أن تدعو شقيقتي لتقضي اليوم معها ... كنت وعدتنا أن تحضر في شم النسيم، فأرجو ألا تنسى وعدك، وسوف تحضر شقيقتي الصغرى وزوجها وأخي أحمد، وربما حضرت والدتي أيضا، وستكون فرصة لترى أسرتي ما دمت لا تراها، ولا تزور أحدا منهم في القاهرة.
نامعلوم صفحہ