إنني أحاول أن أفهم من أي معدن أنت فلا أستطيع ... تكذب علي منذ عشرين عاما لتتسلى بي بعض الوقت ... فينكشف لي كذبك وخداعك، وينقذني الله منك ... ثم تأتي لتخدع اليوم ابنة العشرين ... إن مصيبة الجيل الجديد هي أنه يحرص على أن يبدو أكبر مما هو ... إن ثريا في العشرين يا ابن الخامسة والأربعين ... إنك قد تنسى أكاذيبك علي، ولكنك لا تنسى كلمة الصدق الواحدة التي قلتها إذ ذاك، وهي أنك في الخامسة والعشرين ... فتاة في عمر ذكرياتك تريد أن تربط حياتك بها يا قاس ... إنك مسلح بهذه القسوة ضد الزمان فلا تبدو عليك سنواته ... قالت لي ثريا كم أنت لطيف وشاب وصريح ... إنها عرفتك كما عرفتك أنا أول يوم رأيتك ... لكنها لم تعرفك كما عرفتك آخر يوم إلا الآن ... ولكم كنت أتمنى لو رأيت نظرة الخيبة واليأس والاحتقار معا في عينيها ... إنها نفس النظرة التي صرحت بها لك عيناي منذ عشرين عاما ...
من المؤسف حقا أنك لم تر هذه النظرة، ولن تراها ... لكن ربما استطاع خيالك، وما أوسع خيال من يكذبون ... أن يصورها لك.
إني لست بحاجة إلى أن أعتذر عن تخلف ثريا عن لقائك بالأمس، إنك لن تراها بعد اليوم ... ولعلك لست بحاجة إلى إمضاء لتعرف ممن هذا الخطاب.
إنه لم يكن بحاجة فعلا إلى إمضاء ...
كان بحاجة لأن ينهض من مقعده، ويترك حجرته إلى الشرفة الصغيرة ليتنسم الهواء ...
وكان بحاجة إلى فضاء واسع ينثر فيه خواطره المهتاجة ...
ووجد نفسه يميل إلى حافة الشرفة، وينظر إلى أرض الشارع، ينظر إليها دقائق طويلة كأنه يبحث عن شيء وجده آخر الأمر، فآب إلى حجرته، وفتح أحد أدراج مكتبه، وأخذ يقرأ في مذكراته.
22 من يناير سنة 1929
فندق كتاراكت بأسوان ... قابلت اليوم الآنسة «ر» في شرفة الفندق!
سبعة في صورة
نامعلوم صفحہ