طريق الصخور
ويل لمن تدفعه قدماه في طريق الشر ... إنه طريق الصخور قد أخفتها الرياحين والأزهار ... ***
سار في الركب الطويل مخترقا الحديقة الصغيرة نحو ميدان كفاحه الجديد ... الميدان الذي حكم عليه أن يعمل فيه منذ اليوم عشرة أعوام.
واتسقت خطواته مع خطوات زملائه على نغمات قرقعة السلاسل الضخمة فقفزت إلى خاطره صورة لا ينساها منذ صباه ... صورة خراف القصاب، وقد انتظمها حبل واحد دار حول أعناقها، وانتهى طرفه بين يدي صبي صغير ذي نظرات شريرة تعلو ثوبه قطرات الدماء ...
لطالما سأل نفسه، وهو صبي يسكن حي المذبح: ما لهذه الخراف تسير مطأطئة الرءوس؟ أتعرف هذه البهم إلى أين تسير؟
إنه يسأل نفسه الآن، وهو يتأمل ما حوله ... عشرات الزملاء يسيرون إلى جانبه وأمامه وخلفه مطأطئي الرءوس كالخراف ... تنظمهم سلسلة واحدة تربطهم جميعا، وكأنهم عقد هائل رهيب حياته كائنات بشرية تعسة قد كتب عليها الشقاء، وبدلا من صبي الجزار بضعة جنود لا تنتهي عند أيديهم أطراف السلسلة الضخمة، وإنما يحملون بنادق قد ثبتت عليها الحراب، تلمع تحت أشعة الشمس الساخنة، وكأنها عيون صبي الجزار الشريرة.
وسار الركب ... وانتهى أثر الحياة، وبدأ الجبل ساكنا كأنه القبر، وصاح الجند بكلام غير مفهوم تعرفه أسماع الخراف الذليلة فوقفوا جامدين، وتقدم أحد الجنود فنزع السلسلة الثقيلة التي تربط القيود فانفرط العقد، وأحسوا جميعا بشيء من الراحة، وحركوا أقدامهم كأنهم يحسون الحرية ... ودوى رنين القيود، وكأنه صهيل الخيل فأعادهم إلى صوابهم ... وأدرك كل منهم مرة أخرى أنه مسجون، أما هو فقد أدرك شيئا جديدا ... شيئا يدركه لأول مرة في يومه الأول من حياته الجديدة ... أدرك أنه لم يكن حالما خلال الأيام الماضية ... وأدرك أن رحمة الله لن تكون في المعجزة التي كانت تصورها له خيالاته، لن تحدث المعجزة فيعفو عنه القضاء ... إنه محكوم عليه بالسجن مع الشغل الشاق 10 سنوات، وسيقضي مدة العقوبة، ولن تكون رحمة الله إلا في أن يعتاد حياته الجديدة.
وانتفض جسده، وكأنه يسمع الحكم عليه لأول مرة، واهتز القيد فحرك السلسلة الثقيلة التي تصل بين قدميه، وعكر رنينها السكون الرهيب، وكان قائد الحرس قد بدأ يصدر أوامره والتفت القائد ممتعضا، وقال في ثورة: أنت يا مستجد ... قف معتدلا، وإلا ...
وعرف ما سوف يحدث لو أنه لم يقف معتدلا بعد دقائق حين دوت صرخة مروعة من زميله المجاور، والتفت فوجد الجندي يركله في عنف بأعقاب بندقيته؛ وحمد الله لأنه أطاع الأمر، وأصدر قائد الحرس أمره الثاني فتفرق الركب في سرعة، وكأنه يعرف أهدافه ... أما هو فقد وقف جامدا في مكانه لا يعرف ما يفعل، وتقدم منه أحد الجنود قائلا في غلظة: وأنت يا مستجد، تقطع من هنا ... طوالي إلى الشرق ...
وسار بخطى متئدة إلى حيث أشار الجندي ... ورفع معوله، وأهوى به على الصخر ... وندت عن الصخر شظايا ضئيلة تناثرت ذات اليمين وذات الشمال ... وضج الجنود بالضحك، واقترب أحدهم منه، وأراه كيف يقطع الصخر.
نامعلوم صفحہ