فأعرض حسن أفندي قائلا: أستنكف أن أشتري الرتبة شراء؛ لأني أود أن أنالها بناء على أني جدير بها. - إذن لا تنالها؛ لأن الذين نالوها لجدارتهم بها نادرون فاحصل عليها كما حصل سواك، وأنت أجدر بها من السواد الأعظم من ذوي الرتب. - أخجل أن أسعى إلى هذا الأمر. - أنا أدبره لك عن يد أخينا يوسف بك، ففي أول الأمر تستحصل على الرتبة الثانية، وفي بحر هذا العام تسعى حتى تحصل على المتمايز.
فأبرقت أسرة حسن وتلهب وجهه حياء، وقال: إن هذا كثير في عام يا طاهر أفندي. - كثير أو قليل لا بد منه؛ لنيل أمانينا، وكونك ذا رتبة يفيدنا جدا في المشروع. - ولماذا لا تسعى أنت إلى رتبة سامية؟ - أنا نمساوي التبعية، فحصولي على رتبة عثمانية مستهجن، فدعني من هذا الأمر، ماذا جد في مسألتنا؟ - يقال: إن الشركة البلجيكية التي تسابقنا إلى المشروع تبذل النقود بالمكيال، ولكن بعض رجال الحكومة يؤكدون لي أنه لا يأخذ هذا الامتياز أحد سوانا. - ولكني أرى أن بعض الجرائد الوطنية تعارضنا وتحاول أن تثبت أن للمشروع أضرارا تفوق على منافعه. - ألا تعلم أن الناس في هذه البلاد يكرهون أن وطنيا يفلح بأمر لحسدهم؛ ولذلك لا ينفكون عن مقاومته، ولكننا نحن لا نبالي بهذه المقاومات ما دام أهم رجال الحكومة متفقين معنا، ولا بد أن نرضيهم ما استطعنا.
الفصل السادس والعشرون
بعد بضعة أيام لتلك الخيبة التي لحقت بعزيز باشا وأخيه اجتمعا في قاعة الاستقبال في منتصف الليل - إذ كان الخدم نياما - وكان الخواجه ديمتري ألكسيوس وكيل دائرتهما موجودا معهما، فدار بينهم الحديث الآتي:
قال ديمتري: فهمت أشياء كثيرة لم نكن نعرفها من قبل وأهمها؛ أولا أن ما سمعناه عن حب نعيمة لحسن حقيقي لا ريب فيه، وثانيا أن حسين باشا لم يؤخر عقد الزواج لمجرد أن ابنته غير راضية؛ بل لأن طاهر أفندي أقنعه بأن لحسن أفندي مستقبلا عظيما من جراء المشروع الذي يسعيان فيه، وثالثا أن المشروع أصبح في حكم المقرر؛ لأن حمد بك فضل، الذي هو اليد العاملة وصاحب النفوذ الأول في استمناح الامتياز يحب عائدة الفتاة التي عند طاهر أفندي حبا مبرحا، ويقال: إن في نيته أن يتزوجها، ويرجح أن تحقيق أمنية حسن وطاهر مترتب على هذا الحب؛ أي أن حمد بك يبذل الجهد الجهيد في نيل الامتياز بالمشروع؛ إكراما لخاطر طاهر أفندي وسواد عيني عائدة.
فقال عزيز باشا: هذا ما كنت ألاحظه، وقد قدرته وخمنته، فصحت كل تخميناتي ...
فقال خليل بك أخوه: إذن علينا خطر من نجاح حسن.
فقال عزيز باشا: بلا ريب، أكد أن نجاح حسن ينيله يد نعيمة وثروتها؛ لأن أباها متى رأى أن الذي تحبه ابنته لا يقل نفوذا ولا وجاهة ولا غنى عن طالب يدها الذي لا تحبه، متى رأى ذلك فبالطبع يزوجها من تحب.
فقال خليل: هب أنه ينجح، وصار في غنى وجاه ونفوذ، فهل يغض حسين باشا نظره عن مسألة الأصل وشرف الأسرة؟ - دع هذا الوهم، لم يعد اليوم أحد يعبأ بمسألة الأصل، إنما أصل الفتى ما قد حصل، فإذا فاز حسن بأمانيه لا نقدر أن نركن إلى أعباء حسين باشا بالأصل، ولا نثق تمام الثقة من استمرار ميله إلينا، ولا سيما إذا كان هذان الأمران؛ الأول إذا أصرت نعيمة على حب حسن، وحينئذ تصر مفتخرة بمحامد حبيبها على رفضك، والثاني إذا عرف حسين باشا أننا أصبحنا على شفا الإفلاس. هذه هي الحقيقة أقولها فيما بيننا؛ لكيلا نكون مغرورين بأنفسنا.
فقال ديمتري: هذا هو الكلام الحق بعينه، وكنت أود أن أقوله لكما فأشكر الله أنكما تعرفانه والآن ماذا تريان؟
نامعلوم صفحہ