فإن فاز سهم للمنية لم أكن
جزوعا وهل عن ذاك من متأخر
وإن فاز سهمي كفكم عن مقاعد
لكم خلف أدبار البيوت ومنظر
ولعروة هذا ديوان مطبوع يدل على نبله وفضله وأوصافه؛ فهو فقير يتحسس أخبار الأغنياء، فمن وجده كريما سخيا خلاه، ومن وجده شحيحا بخيلا غزاه، وفرق ما جمعه على زملائه بالعدالة لا يرضى بشيء لنفسه إلا برضاهم، فمثله مثل برناردشو في إحدى رواياته إذ هاجم قوم سيارة فخمة يركبها أغنياء مرابون. فقال لهم الهاجمون: نحن سراق الأغنياء، وأنتم سراق الفقراء. وكما فعل تولستوي إذ كان غنيا واسع الغنى، فوزع ثروته على فلاحيه وعاش فقيرا. غاية الأمر أن عروة هذا سبقهما في النبل بنحو ألفي سنة.
والخلاصة أننا نرى في حياة الجاهلية البدوية نوعين متميزين من الشبان: أبناء الذوات، قد يجتمعون ويتخذون لهم محلا مختارا، ويعيشون عيشة إباحية، فيها خمر، وفيها غناء، وفيها نساء. وهم مع ذلك كرام، يضيفون من نزل بهم، ويغدقون عليهم من خيرهم. وتقابلهم طائفة أخرى من أبناء الفقراء يسمون الصعاليك، يشاركونهم في الكرم والاشتراكية، ويخالفونهم في أن حياتهم ليست حياة دعة واستمتاع، ولكن حياة غزو وسلب ونهب، وتوزيع عادل على أمثالهم، يضاف إلى ذلك فرق آخر، وهو أن الفتيان يعطون ما يعطون وهم مترفعون ، والصعاليك يعطون ما يعطون وهم يعتقدون أنهم مع زملائهم الفقراء متساوون. وإن شئت فقل إن الفتيان يعطون ما يعطون عطفا وتفضلا، والصعاليك يعطون ما يعطون أداء لما يرونه واجبا.
وسنرى فيما بعد أن كل نواة من هاتين تطورت في الحياة الإسلامية، فأساس الصعلكة كان الكرم مع النجدة، كما أن أساس الفتوة الكرم أيضا مع النجدة، ولكن قد تنعدم النجدة مع الصعلكة، فيكون صاحبها صعلوكا رديئا، كما قال عروة بن الورد في التفرقة بين النوعين، فقال في النوع الثاني:
لحى الله صعلوكا إذا جن ليله
مصافي المشاش آلفا كل مجزر
1
نامعلوم صفحہ