سعد زغلول زعیم الثورہ

عباس محمود العقاد d. 1383 AH
77

سعد زغلول زعیم الثورہ

سعد زغلول زعيم الثورة

اصناف

لا وزارة ائتلاف (Coalition) ، كما شاع اسمها في الصحف وأروقة البرلمان؛ فدل بذلك على نظره البعيد وتفريقه الدقيق بين الأوضاع البرلمانية؛ فإن وزارة الائتلاف قد أقيلت إقالة بعد بضعة عشر شهرا لخروج حزب القلة منها، وليس خروج القلة بالعذر الصالح لإقالة الوزارة لو كانت وزارة اندماج في حزب الكثرة النيابية.

رأيت سعدا في أوقات كثيرة منذ قيامه بالدعوة الوطنية، فما أعرف وقتا تسرب فيه السأم والتعب إلى بنيته وإلى نفسه كما كان يتسرب أحيانا خلال الفترة من مقتل السردار.

كانت هذه الفترة أقل أوقاته حركة؛ ولهذا كانت أكثرها سأما وتعبا، وكان قصارى ما اهتدى إليه خصومه من محاربته أن يحاصروه في بيت الأمة بالجند والسلاح ويمنعوا وفود الناس إليه، فكان يراقب الحالة على بعد، ولا يملك النهوض لها بجهد من جهوده ... وكان يؤلمه في الوقت نفسه أن يستطيع الموظفون الإداريون كل ما اجترحوه من إرهاق الناس واستفزازهم دون أن ينالهم جزاؤهم الذي يستحقونه ... وفي أكثر الأيام كان يسأل: «ما الذي يوغر صدور هؤلاء الموظفين على الأمة؟! وما الذي يبغضهم في أيام الوزارة الشعبية؟!» وقد قلت له يوما إنهم تعودوا أن يكونوا طوال حياتهم مأمورين وآمرين، ووزارة الشعب فرضت لهم حرية وفرضت للناس حرية، فلا هم مأمورون ولا هم آمرون، ولو عرفوا أنها دائمة لخافوها وعلقوا رجاءهم برضائها، ولكنهم لا يحسبونها تدوم ... قال لا يبعد أن يكون كذاك؛ فقد كنا نعامل هؤلاء الموظفين معاملة الشركاء في الحكومة، ولا نعاملهم معاملة الآلات، وكنا ننتظر منهم غيرة وطنية، ولا ننتظر منهم طاعة عمياء، فوجدوا منا غير ما تعودوه.

وذات ليلة كان يسأل: «ما الذي يبعث القوة في الشعب؟» وكنا ثلاثة على مائدته: محاميا معروفا والأستاذ عبد القادر حمزة وكاتب هذه السطور. فقال المحامي وظن أنه يرضيه بما قال: يا باشا كلمة منك تبعث فيه القوة ... كلمة منك تبث فيه الحياة الفنية ... واسترسل في مثل هذا الكلام.

فنظر إليه سعد هنيهة، ثم قال: «ما هذا؟! أتريد أن تخطب؟ أتريد أن تتحمس؟ طيب: تفضل اخطب وتحمس، وانتظر من يسمع!»

وكانت نفسه برمة جدا بمن يعبثون بهذا الموضوع؛ لأنه كان مهموما به لا يطيق الهزل فيه، بل كثيرا ما سمعته يتضجر في تلك الأيام من حب النكتة في الطبيعة المصرية ويقول: «لولا أن المصريين يضحكون من زيور وغرائبه لما احتملوه هذا الزمن الطويل!»

وفي أوائل هذه الفترة زرته بفندق «مينا هوس»، وكان يأوي إليه أحيانا أيام الشتاء. فرأيته كثير التفكير كما يكون حين يلتبس عليه وجه العمل وطريق الحركة، وسألني وهو ينظر إلى الصحف على مقربة منه: «ماذا يقولون؟»

قلت: «وماذا غير قولتهم المعهودة! أن سعدا ترك الميدان واستقال!»

قال: «لو بقيت في الحكم لقالوا إنه يخرب البلد تشبثا بالمنصب ... هؤلاء لا يعتد لهم بكلام!»

ثم نشط كعادته حين ينبعث الكلام في موضوع نضال بينه وبين خصومه ومضى يقول: «وهذه الصحف الإنجليزية ما بالها تمسي وتصبح وهي تلغط بزغلول؟ ... إن زغلولا يدبر ... إن زغلولا يتربص ... زغلول، زغلول. نعم يا هؤلاء، إنكم لم تستريحوا من زغلول!»

نامعلوم صفحہ