243

کتابوں کے درمیان گھنٹے

ساعات بين الكتب

اصناف

أما الأساطير فحاجتنا إلى جمعها وتهذيبها أكبر من حاجتنا إلى جمع الأمثال ومراثي المآتم؛ لأننا جهلنا حتى صدقنا ما يقال عنا من أننا - نحن الشرقيين - أمم خالية من الأساطير المعبرة، وعلى هذا نكون أمما مقفرة الخيال عاجزة عن الابتكار والتعبير القصصي الذي اشتهر به اليونان خاصة في الشعوب الأوربية، بل جهلناها حتى لنستغربها حين نسمعها كأنما نستمع إلى كلام منقول أو كلام مترجم، مع أنها تعبر عن حياتنا الشعبية، ولا تعبر عن حياة الشعوب الأخرى، ومع أنها حين نلتفت إليها كثيرة جدا تفيض بها أحاديث الشيوخ والعجائز، ولا تحسب عندهم من خير ما يتحدثون به ولا من خير ما يحفظون.

والحقيقة أن الأساطير الشعبية التي تعبر عن الحالات الاجتماعية والنفسية كثيرة في بلاد الريف، وأن بعض هذه الأساطير من نوع يحتاج المؤلف في تأليفه إلى خيال وملاحظة وملكة فكاهية كالتي تظهر لنا في أحسن الأساطير، وهي مفصلة على حسب الأشخاص والطوائف، ففيها أساطير عن المرأة السليطة، وأخرى عن الورع الكاذب، وغيرها عن الحكام المدلسين، ومعظمها يعبر عن الأغراض التي وضع لها أظرف تعبير.

حدثني حلاق ريفي فيما يثرثر به من أحاديث البلدة، ومواضع الاعتبار فيها بالقصص والأمثال قال: كان تاجر من كبار التجار مبتلى بامرأة سليطة نغصت عيشه وأفقرته وبغضته في وطنه، فأزمع الفرار بنفسه من هذا البلاء، وعقد النية عليه وتحين الفرصة الأولى التي غفلت فيها عين امرأته عن مراقبته وتسخيره، فأبق من بيته وبلده، ولاذ بالعراء يخبط فيه على غير هداية ومضت على ذلك أيام وهو آمن مستريح من جور امرأته هانئ البال بهذه الراحة، وإن كان في قلق وخوف من الأشرار والوحوش وغيرها من الآفات التي تعترض المسافرين في العراء، وإنه لنائم في اليوم الرابع أو الخامس عند بئر منحرفة عن الطريق إذا بيد تلكزه وصوت امرأة يصيح في أذنه. فهب مذعورا من نومته، من المرأة؟ أهي امرأته! نعم هي بعينها ويدها ولسانها! وقد جاءت معها بكل ما ادخرته له في أيامه الطويلة من الصفعات، والنكايات، وقوارص الكلمات.

وبعد معاتبة على كره، ومصالحة على رغم، قدمت له طعاما فأكل واحتاجا إلى الماء فهم بالنزول في البئر ليستقي له ولها، فقالت: إلى أين! قال: إلى البئر يا أمة الله! قالت: وهل أدعك بعد اليوم تخطو خطوة وحدك، وألح الظمأ عليهما فلم يجد بدا من الماء، واستخار الله في إنزالها معه على ما في ذلك من الصعوبة والخطر، فألقاها على ظهره وهم بالنزول، وإذا بدخان لاذع يتعالى من البئر وصارخ يصيح: واغوثاه! في جاه رسول الله. ناشدتك الله يا هذا لا تهبط علي بهذه المصيبة ولك عندي كل ما تريد.

فخاف الرجل، وخافت المرأة، وأذنت له أن ينزل وحده إلى البئر فنزل وهو وجل لا يجرئه على هذه المخاطرة إلا حرقة الظمأ ، ووجل من امرأته أشد من جميع الأوجال.

وهبط الرجل إلى قرار البئر فألفى هناك جنيا ثائرا يتلاوذ بجوانبها من الرعب والحذر قال: ما بك يا هذا؟ قال: بي مثل ما بك، فاحمد الله أن ساقك إلي وساقني إليك، وإلا لقد كنت تعطب هنا ويلحق بك ما لا تطيق. إني جني أصابني من امرأتي مثل ما أصابك من امرأتك فتركتها ولجأت إلى هذه البئر، فلما رأيتك رثيت لك، ورعيتك في نومك، وحميتك من الوحش والهوام، ثم ما راعني إلا امرأتك تنزل بها إلي ونساء الإنس المتمردات أدهى يا صاحبي من موارد الجان، فنطقت بكلمة الإسلام والحمد لله على الهداية، وها نحن شريكان في الولاء، فهل لك في صداقة أغنيك بها، ونعيش في أمان من امرأتي وامرأتك إلى أن يشاء الله؟

قال محدثي: فاتفقا واحتالا على الهرب فهربا، وكان مدار الاتفاق بينهما أن يتعرض الجني للناس، وأن يصطنع الرجل تلاوة العزائم الواقية من الجان، فيجمع ما يجمع من الثراء ويشتهر بين الناس بالقدرة والكرامة، ثم وصلا إلى مدينة عامرة فتعرض الجني لبنت الملك واستقدموا لها الأطباء والزهاد من أطراف المملكة، فما غنموا شيئا وأقروا بالعجز عن هذا المارد الخبيث. حتى إذا يئسوا من شفائها أذاع الملك أن من يشفيها يتزوج بها، وله الملك بعده، فظهر الرجل وتم على يديه الشفاء، وبنى ببنت الملك، وأعلنت ولاية عهده في جميع الأقطار.

ثم أعجب الجني ببنت الوزير فتعرض لها، وتوسل أبوها إلى «ولي العهد» أن يشفيها كما شفي بنت الملك فلباه؛ وحسب أن الأمر بينه وبين الجني على ما جرت به العادة في سابق النوبات، ولكنه ما اقترب من بنت الوزير حتى ناداه صاحبه. ارجع عني فليس الحال بيننا على ما تعهد، لقد أغنيتك وأبلغتك كل ما تتمنى وفوق ما تتمنى، فلا حاجة بك بعد اليوم إلى هذه الصناعة، ارجع عني يا هذا خير لك وأبقى!

قال: فوجم ولي العهد وعز عليه أن يفشل، وزاده كربا على كرب أن زوجته حزنت على صديقتها واتهمته في نصحه، وما فتئت تلح عليه وتلحف حتى قنط، وأطلعها على جلية الخبر عسى أن يستريح من إلحاحها واتهامها، ففكرت هنيهة ثم ابتسمت، وقالت له: لقد كتب الشفاء لبنت الوزير، ثم علمته كلمة يقولها للجني إذا ذهب إليه من غده، فبات وهو موقن بالنجاح.

فلما عاد في اليوم التالي إلى الجني صاح به هذا: ما بالك تعود؟ إني لأحسبك تجازف بعمرك وما أراك راجعا عن لجاجك، أو أعطبك وأظهر الناس كافة على جلية أمرك.

نامعلوم صفحہ