کتابوں کے درمیان گھنٹے
ساعات بين الكتب
اصناف
لما بلغ عيسى، وهذا اسمه عندهم، الثالثة عشرة - وهي السن التي يتزوج فيها اليهود في زمانه - كثر طلابه لبناتهم من أشراف البلدة وأغنيائها؛ لما اشتهر به من الذكاء، والفصاحة، والخطب الجميلة، والمواعظ الدينية، وإن لم يكن أهله من ذوي اليسار الذين يرغب في مصاهرتهم الأشراف والأغنياء، ونفرت نفس عيسى عن الزواج فغادر منزل والديه خفية، وخرج مع بعض التجار من بيت المقدس إلى السند؛ ليستكمل، ويتعلم، ويطلع بنفسه على ما سمع عن حكمة الحكماء، وعلوم النساك، وأصحاب الأسرار.
وفي السنة الرابعة عشرة من عمره، قدم إلى بلاد الآريين، وأقام في البلدة المجتباة فذاعت له شهرة في أرجاء الهند الشمالية، وتسامع به الكهان والأحبار، ثم اجتاز بلاد الأنهار الخمسة و«راجبوتان» إلى جقرنات حيث يرقد الرفات البشري «لفيسا كرشنا» فرحب به الكهان البيض، وعلموه أن يقرأ الكتب المقدسة، وأن يفسر أسرارها، وأن يشفي المرضى ويطرد الأرواح الشريرة بالأدعية والعزائم، وقضى ست سنوات في جقرنات، وبنارس، وفي المدن المقدسة الأخرى، فأحبه الناس، ولا سيما الطبقات المحرومة التي كانت تنبذها أديان الهند ويترفع الكهان عن مقاربتها، والاتصال بها، أو إسماعها الكتب المقدسة، إلا في أيام الأعياد الكبرى؛ لأن «بارابرهما» خلقها من أحشائه وأقدامه فهي منبوذة مهينة بين خلقه! ولكن عيسى أنكر هذه اللعنة الكاذبة، وطفق يخطب في إنكارها، ويعاشر المنبوذين، وينحي على طغيان الكهان وتعاليهم على إخوانهم في الآدمية ويقول: «أبونا الرب لم يفرق بين أبنائه فكلهم أثير لديه.» وكان يدعوهم إلى ترك الأوثان وتقريب القرابين لغير الله، وينكر ثالوث براهما الخالق، وفشسنو الواقي، وسيفا المفني، ويقول لهم: «إن الديان السرمدي هو الروح الباقي وهو روح الكون الأحد المفرد، الذي لا يتجزأ، يخلق كل شيء، ويشتمل على كل شيء، ويحيي كل شيء، وإن البارئ الأعظم لم يشرك معه في سلطانه أحدا فكيف الأوثان الصماء!»
فلما اشتد أمره على الكهان وجماعة المقاتلة بعثوا في طلبه ليقتلوه، فحذره الدهماء وأخرجوه ليلا من أطراف جقرنات، فبلغ الجبل، ونزل بلاد «جوتميد» مولد بوذا الأعظم بين شعب يعبد براهما الواحد ذا الجلال، فتعلم لغتهم وحذقها، وعكف على درس كتبها وطروسها المحفوظة، ثم غادر نيبال وجبال هملايا، وهبط إلى «راجبوتان» ويمم الغرب يبشر بعبادة الله ويدعو إلى الكمال، ويحض الناس على اطراح عبادة الأوثان، فذاعت بين الوثنيين شهرته ولباه خلق كثير، واستفاضت في البلاد القريبة أنباء مواعظه ووصاياه وسبقته إلى بلاد فارس، فقابله كهانها حين دخلها بالحذر، وحرموا على الناس حضور خطبه، فلم يزدهم التحذير إلا عكوفا عليه واستجابة له. قال الكاتب الروسي: ثم قبض عليه الكهان، وأحضروه إلى رئيسهم وسألوه فأجابهم أحسن جواب، ولم يجدوا عليه سبيلا، فأظهروا الرفق به ولم يمسوه بسوء، ولكنهم أخذوه في جنح الليل إلى طريق مقفر يكثر فيه السباع، وأرسلوه هناك ليلقى حتفه بعيدا عنهم فوقاه الله، وما زال يتنقل في البلاد حتى آب إلى وطنه في التاسعة والعشرين من عمره، وبدأت سيرته المعروفة في الأناجيل.
يقول الكاتب الروسي: وهذه المحفوظات التي تلاها رئيس الكهان البوذيين في عاصمة التبت الصغرى هي مجموعة منسوخات كثيرة مكتوبة باللغة التبتية مترجمة عن بعض الصحف المودعة في مكتبة «الحسا» التي جلبت إليها من الهند، والنيبال، ومغادا، بعد المسيح بمائتي سنة فوضعت في البيعة الكبرى على جبل ماربور حيث يقيم حبر الأحبار وتودع المخطوطات المدخرة من قديم الأدهار.
أما تاريخ تدوين هذه القصص فيرجع إلى السنة الثالثة أو الرابعة بعد وفاة المسيح. كتبها الكهان حين جاءهم التجار بأنباء المسيح في وطنه، وأودعوها كعادتهم مكاتب البيع ، ومما يميل بالكاتب إلى تصديقها أنها لم تدون في بلدة واحدة ولا على نسق واحد، وإنما جاءت مفرقة من هنا وهناك ودونت مع قصص أخرى من أحداث ذلك العصر، فلا يستخلصها القارئ على هذا النسق إلا بعد جهد جهيد.
ويرى الكاتب أن هذه المخطوطات خليقة بالثقة والاعتبار؛ لأن الكتابة كانت معروفة في الصين والهند قبل موسى بزمن مديد، وكانت الشرائع والقوانين والمذاهب مكتوبة في سجلات محفوظة بلغت في الهند نحو 84000 وثيقة قبل الميلاد بستمائة سنة، ولا يتأتى أن تنقل نصوصها وتحفظ وتسجل إلا في عصور وعصور، فبينما كانت الشعوب الأمية كشعب إسرائيل تتناقل الروايات شفاها فما عن فم وجيلا بعد جيل، فيعتريها ما يعتريها من السهو والتحريف وتجسيم البعد وتكبير الخيال، كان الرواة الهنود يودعون الصحف روايات الحوادث التي يشهدونها ويسمعونها في زمنهم أو في عهد قريب منه، وثابت معروف أنه كانت للهند تجارة مع مصر والأقطار الأوروبية تمر ببيت المقدس فلا تنقطع أخبار الهند عن تلك البلاد، ولا تنقطع أخبار تلك البلاد عن الهند، فكانت القوافل الهندية في زمن سليمان تحمل المعادن النفيسة والمواد اللازمة لبناء هيكله وتزيينه، وكانت تجارة أوربا ترد إلى بيت المقدس بحرا على ميناء قديم في موضع مدينة «يافا» الآن.
قال الكاتب الروسي: ولما عدت إلى أوربا لقيت الكثيرين من رجال الدين المعدودين؛ رجاء أن يراجعوا مذكراتي ويعنوا بتحقيقها، فلم أجد سميعا ولم يوافقني أحد على نشرها، فعرضت مسألتي على الأستاذ جول سيمون فاستعظمها، ونصح لي باستشارة رينان في أمر تلك المذكرات وفي أمثل الوسائل لنشرها والتعقيب عليها، فاقترح رينان أن أسلمه المذكرات ليقدمها إلى المجمع العلمي، وأشفقت أنا من ذاك وأدركني الحرص على ثمرة جهدي وفضل هذا الكشف النادر، فرأيت أن أتولى نشره بنفسي وأكتب حواشيه وأعلق عليه وقد فعلت. فلعل الهيئات العلمية تعنى بإعداد بعثة للسفر إلى التبت ودرس الوثائق في سجلاتها، وتقرير قيمتها التاريخية.
هذه خلاصة تلك الرحلة العجيبة التي نشرها الكاتب الروسي منذ نيف وثلاثين سنة، فناقشها الكثيرون وقطع بافترائها بعض الثقات، ووصفوها بأنها تدجيل لا يستحق كبير عناء، ونحن أميل إلى الشك في أساسها، ولكنها إن صحت أو كان فيها جانب صحيح، وكانت هناك محفوظات كالتي ذكرها الكاتب الروسي ودونها فالأمر يحتمل وجهين. أحدهما أن النبأ في جملته صحيح وأن المسيح سافر إلى الهند، وعاش فيها قبل الرسالة، وتعلم من خير ما في البوذية والبرهمية، وعلمهم من خير ما في اليهودية والنبوءات الإسرائيلية، والوجه الآخر أن بعض الكهان الهنود في الزمن القديم أو الحديث خشي على دين قومه من شيوع المسيحية، فدون بعض تلك القصص ليعزز دينه ويجعله مصدر الأديان ومعلم الرسل، ووضعها ذلك الوضع المفرق الذي لا يكشف حقيقته إلا رجل عليم باللغات الهندية والتبتية، قدير على استقصاء أخبارها ومضاهاة محفوظاتها مزود بما كان يعوز الكاتب الروسي للتثبت والتمحيص الدقيق. •••
غير أننا إذا فرضنا الفرض الأخير حق لنا أن نستغرب شهادة الكهان لعيسى بالصلاح والهداية، وتزكيتهم لفضائله وعظاته، ووصفهم إياه وصفا يرغب في دينه ويرجحه على دين البوذية ودين البرهمية على الخصوص، ومن جهة أخرى نرى في الأناجيل ما يدل على تعمق المسيح في علم الشرائع اليهودية وأخبار الرسل ومأثورات الفريسيين، فمتى استوعب كل هذا العلم الغزير، وأنى له أن يستوعبه جميعا قبل الثالثة عشرة أو في سنة واحدة أو بعض سنة بعد العودة من رحلته الهندية؟! •••
على أن الأمر الذي نلاحظه في كتاب يؤلف عن تاريخ المسيح أن لدفج لم يشر إلى الهند والبلاد الشرقية وعلاقتها بالإسرائيلية في الفاتحة التي كتبها لإجمال الأحوال في عصر المسيح، فقد أشار إلى مصر، واليونان، والرومان، واقتبس بعض الآراء الفلسفية التي ظهرت في هذه الأقطار، وانتقلت منها إلى الجليل، وبيت المقدس، وأخذ بها عملا أو تعليما بعض المتسهلين الميسورين من طوائف اليهود، ولكنه لم يشر إلى الهند، وفارس، وبين النهرين وهي خليقة أن تذكر في هذا السياق؛ لأن علاقة الهند الروحية بأرض إسرائيل لا تنكر ولا تخفى سواء صحت أخبار الكاتب الروسي أو بطلت بعد الاستقراء، فقديما كان الإسرائيليون فيما بين النهرين وكانوا على مقربة من المجوس، ثم عادوا إلى بابل في الأثر، واختلط أكثرهم بأهلها حتى ضاع في غمارها ولم يعد إلى فلسطين مع القبائل التي نزحت بعد فتح قورش وهزيمة البابليين، وقد جاء ذكر المجوس في البشارة بمولد المسيح، كأنما كان الاعتقاد فيهم أنهم عليمون بالأنباء مطلعون على الأسرار يفهمون من حقائق الفلك والوحي ما ليس يفهمه أبناء إسرائيل، فالإشارة إلى هذه العلاقات القديمة لازمة في التمهيد لعصر المسيح، ولا سيما إذا لاحظنا المشابهة الشديدة بين البشارات والأخبار عنه والبشارات والأخبار عن بوذا، ولاحظنا إلى جانب ذلك قصص المسيحية الأولى التي لا تخلو من دلالتها التاريخية والنفسية ، وإن حكم الآباء الكنسيون ببطلانها من وجهة الاعتقاد.
نامعلوم صفحہ