في السابعة والعشرين. معدل القامة، حدرت إليه الطبيعة بغدق من السمن فنال منه ما أيقن بطيب وجوهه وخلع الباقي.
عريض الجبين، منفرج الحاجبين، منحدر الأنف، نسيق الأسنان، متناسب الوجه، كأنما فمه وأنفه وذقنه وخداه وجمجمته من نسل واحد. أما لونه فلون السحاب المتقطع في شفق الربيع قبل غروب الشمس بدقيقتين.
يزف في سيره زفيف القطار الكهربائي، أما إذا وقف في مكان فيمكث طويلا.
إذا وقع نظرك على فتى يمشي في الناس مشية الناسك في عزلته، فلا يصرف النظر عن وجهته، ولا يصرف من أعضائه إلا قدميه، كأنما هو قطار كهربائي لا يتحرك فيه إلا الدواليب؛ فقل هذا «كرم ملحم كرم».
يغضب بسرعة ويرضى بسرعة، فإذا غضب لا تحتاج إلى أكثر من أداء نكتة لترد عليه صفاءه وزهوه، فهو في غضبه كالطفل المدلل الغنج، إذا مونع في شيء أو عورض فيه اشتعل في وجه معارضه كالقش اليابس فقذفه بأسباب من الشتائم لا تعلم من أين هبت، وتناول رأسه بلعبه وقبعته وحذائه وطربوش والده وكحل أمه، وأقام عليه القيامة. فإذا كوفئ على عمله بشعوذة مضحكة سكن لها على غرارة وقابلها بضحكة ساذجة أنسته هياجه وغضبه.
من رأى كرما في سورة الغضب ولم يضحك؟ من رآه يعالج وجه أحد المنضدين في مطبعة مجلته «ألف ليلة وليلة» بطائفة من الكتب والأقلام والصحائف، بطربوشه وطوقه وسترته، وبجميع ما يكون في متناول يده، ورأى المنضد يثني الضحك ويثلثه ويجن في فنون الحيل ليرده إلى نفسه؛ ولم تأخذه هزة الضحك ونشوته؟
إذا دخلت على «كرم ملحم» في مكتبه وانحط نظرك على كتائب من الأقلام والقواميس والدفاتر والقراطيس وجمهرة من أعداد «ألف ليلة وليلة» مطروحة على الأرض كحطام السلاح بعد المعركة؛ فأيقن أن حربا «ملحمية» جرت منذ هنيهة في مكتب «كرم».
لا يدعي لنفسه ما ليس في نفسه، فهو إذا استنسبته قال لك: أنا من نسل الصحافة.
إلا أنه صاهر الفن الروائي منذ أربع سنوات، فأربى بعدد رواياته على المائتين، وهو في أكثرها صناع اليدين، ولو جئنا نحصي ما أنتجه خلال العهد الأخير لوجدناه في مؤلفاته أخصب أدباء هذا الزمن، غير أنا - إذا استثنينا بعضا من هذه المواليد، وهي أروع ما أنتجه - نجد الباقي منقولا عن الفرنجة، فالأستاذ «كرم ملحم» يأخذ في رواياته إخذ فقيد الأدب المرحوم «طانيوس عبده».
قد لا تبدأ بقراءة رواية ل «كرم» إلا ويستدرجك أسلوبها الرائع إلى القراءة حتى تأتي عليها كلها، في إنشاء هذا الكتاب جمال ينسيك الوقت.
نامعلوم صفحہ