إذا رغبت أن تعرف من هو «فليكس فارس» فلن يقدر لك ذلك في بيته، ولا في الشارع، ولا في المجتمعات، فهو هناك كسائر الناس.
إذا رغبت أن تعرف من هو هذا الرجل، فينبغي لك أن ترى مقلتيه وقد اختلج فيهما بريق نفسه وجبينه، وقد تدلت على أحد صدغيه ذؤابة مشعثة من شعره كأنما هي - عندما انحدرت إليه - استمدت منه بعض ثورته، وفمه الجميل وقد تدفقت منه عقائق من النور جميلة كأن بين شفتيه وما يتدفق منهما نسبا من أنساب الجمال.
إذا شئت أن تعرف من هو هذا الرجل، فانظر إليه على قمة جماله، فقمة هذا الرجل هي المنبر، أما اليوم وقد أقوت المنابر إلا من الدجالين ونفي الأحرار من قممهم، فلن يقدر لك أن تتعرف إلى «فليكس فارس»!
في سنة 1910 - بعد إعلان الدستور العثماني - ارتفعت الأصوات لتوحيد العنصرين الإسلامي والمسيحي في الشرق، فكان أقدس هذه الأصوات وأشدها مضاء في النفوس صوت «ولي الدين يكن» في مصر وصوت «فليكس فارس» في سوريا ولبنان.
ندرج هنا كلمة ل «ولي الدين» اختتم بها مقاله الخالد الذي نشره في «المقطم» تحت عنوان «الشرق الأدنى» وأنحى فيه باللائمة على الأقباط والمسلمين لتفرق كلمتهم، قال: «يا شرق يا مستهل النسب الآدمي ومهبط الحكم، ويا منبع الفتن ... وددت أن يكون الساعة معي الرجل الحر ذو النفس الطاهرة «فليكس فارس» فنندب الشرق معا ونرثي عزه ونبكي حريته، هو يبكي مع رفاقه ببيروت، وأنا أبكي مع رفاقي بمصر. فهل تتلاقى نوحات ونوحات إذا انتهت إلى العالم الأعلى؟»
فأجابه «فليكس فارس» بمقال طويل نشره في جريدته «لسان الاتحاد» جاء فيه:
ليلعنك قومك وليلعني قومي! إن بين غيرتينا وأنانيتهم مجال الخلود.
أجل، وبين روح «ولي الدين» وروح «فليكس فارس» قرابة مقدسة، هي قرابة النبوغ. •••
و«فليكس فارس» شاعر في صدره نفس من روح الله، فلا ينسج أبياتا إلا ويبطنها بخيوط من السماء. «فليكس فارس» قصيدة في نفسه، فمقلتاه بيت من الشعر، وجبينه بيت من الشعر، وفمه بيت من الشعر، وانحناء رأسه بيت من الشعر، وكل ما فيه بيوت من الشعر الجميل، فكأن الله رغب يوما في نظم قصيدة فنظمها فإذا هي «فليكس فارس». إلا أن شعر «فليكس» وإن يكن قد ارتفع إلى مستوى الشاعرية الخالدة، فهو ينحط في جماله عن القصيدة الفانية التي نظمها الله، إذن فالله أشعر من «فليكس».
شعر «فليكس فارس» خالد؛ لأنه روحي النشء، صادق العنصر، فهو لا ينسلخ عن قلبه إلا ويسلخ معه فلذة وقطرة.
نامعلوم صفحہ