Ruling on Paying Zakat al-Fitr in Cash
حكم إخراج زكاة الفطر قيمة (نقدا)
ناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ایڈیشن نمبر
السنة السادسة والثلاثون العدد ١٢٤
اشاعت کا سال
١٤٢٤هـ.
اصناف
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد:
فلا ريب أن زكاة الفطر من العبادات المعروفة لكل مسلم، والأصل في العبادات التوقيف، ولكن شاع في هذه الأيام بين المسلمين في معظم الأقطار الإسلامية إخراج زكاة الفطر (قيمة) نقدًا، خلاف ما عليه جمهور أهل العلم، وذلك بناء على فتاوى تصدر عن الجهات الرسمية المختصة في تلك الأقطار، مع تحديد لقيمة زكاة الفطر نقدًا بما يقابلها من العملات المحلية كالدينار والجنيه والريال ... الخ، مما يُحدث جدلًا بين كثير من طلاب العلم، في بعض الأقطار الإسلامية، وبخاصة في أواخر شهر رمضان المبارك من كل عام، على الرغم من أن الأحاديث النبوية صريحة في هذا الأمر بإخراج زكاة الفطر عينًا، كما جاء في الأحاديث الصحيحة المتفق عليها والمروية عن ابن عمر ﵄ وعن أبي سعيد الخدري ﵁.
وبناء على ما تقدم رأيت الكتابة في موضوع حكم إخراج زكاة الفطر قيمةً (نقدًا) .
أهمية الموضوع:
نظرًا لإخراج كثير من الناس زكاة الفطر نقدًا من دون حاجة ماسة أو ضرورة شرعية ملحة كانت الحاجة لبيان حكم إخراج زكاة الفطر (قيمة) نقدًا، حيث إن الأصل إخراج زكاة الفطر عينًا من غالب قوت أهل البلد.
1 / 245
منهج البحث وآليته:
سيكون البحث وصفيًا، استقرائيًا، وذلك باستعراض أقوال الفقهاء في المذاهب المختلفة والرد على الآراء المطروحة في هذه المسألة، من الأدلة الشرعية، وبيان الراجح منها، وما كان عليه السلف الصالح رضوان الله عليهم.
وسيناقش البحث بمشيئة الله تعالى في عدة مطالب:
المطلب الأول: مفهوم القيمة في زكاة الفطر.
المطلب الثاني: حكم زكاة الفطر.
المطلب الثالث: الحكمة في كل من فريضة زكاة الفطر ومقدارها.
المطلب الرابع: مذاهب الفقهاء في إخراج زكاة الفطر قيمة (نقدًا) .
الخاتمة.
1 / 246
المطلب الأول: مفهوم القيمة في زكاة الفطر
أولا: زكاة الفطر
...
المطلب الأول: مفهوم القيمة في زكاة الفطر
حتى نستطيع تحديد مفهوم القيمة في زكاة الفطر (موضوع البحث) يجب أن نعرف: ما معنى زكاة الفطر؟ وما مفهوم القيمة؟ وبماذا تقوم السلع؟.
أولًا: زكاة الفطر:
الزكاة لغة: بمعنى البركة والنماء والطهارة والصلاح وصفوة الشيء١. قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ ٢ أي تطهر، وإنما سمي الواجب زكاة لأنها تطهر صاحبها من الآثام٣، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ ٤.
الزكاة شرعًا: للزكاة تعريفات متعددة منها ما جاء في المغني: "الزكاة حق يجب في المال"٥، وفي المجموع، الزكاة: "اسم لأخذ شيء مخصوص من مال مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة"٦. وفي نهاية المحتاج، الزكاة: "اسم لما يُخرَج عن مال أو بدن على وجه مخصوص"٧، وجاء في جواهر الإكليل، الزكاة: "إخراج جزء مخصوص من مال مخصوص بلغ نصابًا لمستحقه إن تم الملك وحال الحول" ٨.
_________
١ المعجم الوسيط، ١/ ٣٩٦-٣٩٧.
٢ سورة الأعلى، آية ١٤.
٣ المبسوط، ٢/١٤٩.
٤ سورة التوبة، آية ١٠٣.
٥ المغني، ٣/٥٧٢.
٦ المجموع، ٥/٢٩١.
٧ نهاية المحتاج، ٣/٤٢.
٨ جواهر الإكليل، ١/١١٨.
1 / 247
ومن التعريفات المعاصرة ما جاء في كتاب الملكية في الشريعة الإسلامية، الزكاة: "قدر معين من المال يدفعه المسلم، انصياعًا لأمر الله تعالى، بشروط معينة، لينفق في مصارفه المقررة شرعًا" ١.
الفطر: اسم مصدر من أفطر الصائم إفطارًا، ويراد بزكاة الفطر: الصدقة عن البدن والنفس، وإضافة الزكاة إلى الفطر من إضافة الشيء إلى سببه٢٤ واختلف في سبب إضافة الزكاة للفطر فقيل من الفطرة، وهي الخلقة لتعلقها بالأبدان وقيل لوجوبها بالفطر٣.
والفطر لفظ إسلامي٤ ويسمى أول يوم من شوال بيوم الفطر تسمية إسلامية، والفطرة مولدة٥ وهي الجبلة التي جبل الناس عليها٦ تزكية لها وتنمية لعملها٧.
وأصل الفطر: الشق يقال، فطر ناب البعير، إذا انشق وطلع، فكأن الصائم يشق صومه٨ يوم الفطر، لذا سميت صدقة الفطر، أو زكاة رمضان، أو زكاة الصوم، أو صدقة الرؤوس، أو زكاة الأبدان٩.
_________
١ الملكية في الشريعة الإسلامية، ٣/٥٧.
٢ المصباح المنير، ٢٤٦-٢٤٧، والروض المربع، ١/٣١٥.
٣ مختار الصحاح، ٥٠٦-٥٠٧ وتاج العروس، ٣/٤٧١. وجاء ذلك في كتب الفقه المجموع، ٦/٨٥ وبلغة السالك لأقرب المسالك، ١/٢٣٦، وكفاية الأخيار، ١/١٩٢
٤ البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ١/٢٧٠ وحاشية على مراقي الفلاح، ٥٩٥.
٥ معجم متن اللغة، ٤/٤٢٦، وحاشية على مراقي الفلاح، ٥٩٥، والمغني، ٣/٥٥.
٦ فتح الجواد شرح الإرشاد، ١/٢٧٧.
٧ كفاية الأخيار، ١/١٩٢، وروض الطالب من أسنى المطالب، ١/٣٨٨.
٨ تاج العروس، ٣/٢٧٢، والمهذب، ١/٢٢١.
٩ شرح الزرقاني على موطأ مالك، ٢/١٤٧، والمبدع في شرح المقنع، ٢/٣٨٥.
1 / 248
زكاة الفطر شرعًا:
ذكرت كثير من كتب الفقه أن زكاة الفطر: هى زكاة البدن والنفس١، وقد عرفها أصحاب معجم الفقهاء: "إنفاق مقدار معلوم عن كل فرد مسلم يعيله قبل صلاة عيد الفطر في مصارف مخصوصة"٢.
ومن التعريفات السابقة للزكاة شرعًا، وما تعنيه زكاة الفطر في كتب الفقه وفي معجم الفقهاء، يمكن القول: إن زكاة الفطر، هي إنفاق مال، محدد شرعًا، يخرجه المسلم عن نفسه وبدنه، ومن يعول، بسبب الفطر، بعد إتمام الصيام، على وجهٍ مخصوصٍ.
_________
١ المجموع، ٦/٨٥، وبلغة السالك لأقرب المسالك، ١/٢٣٦، وكفاية الأخيار، ١/١٩٢وهذا ما جاء في كتب اللغة: مختار الصحاح، ٥٠٦-٥٠٧ وتاج العروس، ٣/٤٧١.
٢ معجم لغة الفقهاء، ٢٠٨.
ثانيًا: القيمة: القيمة لغة: قيمة الشيء ثمنه الذي يعادل المتاع١ ويقال، قوَّم السلعة تقويمًا: سعرها وثمنها. القيمة عند الفقهاء: عرف الفقهاء القيمة عدة تعريفات من ذلك: تعريف ابن حزم: "القيمة ما يبتاع بها التجار السلع لا يتجاوزونها إلا لعلة٢"، وعند ابن حجر: "قيمة الشيء ما تنتهي إليه الرغبة٣"، وقال العدوي: "القيمة، الثمن الذي يشتري به الناس"٤، وقال ابن عابدين: "القيمة ما قوم به الشيء _________ ١ المعجم الوسيط، ٢/٧٦٨، والمنجد، ٦٦٤. ٢ المحلى، ٨/٤٤٢. ٣ فتح الباري، ٢/١٠٥. ٤ الخرشي على سيدي خليل وبهامشه حاشية علي العدوي، ٥/١٥٢.
ثانيًا: القيمة: القيمة لغة: قيمة الشيء ثمنه الذي يعادل المتاع١ ويقال، قوَّم السلعة تقويمًا: سعرها وثمنها. القيمة عند الفقهاء: عرف الفقهاء القيمة عدة تعريفات من ذلك: تعريف ابن حزم: "القيمة ما يبتاع بها التجار السلع لا يتجاوزونها إلا لعلة٢"، وعند ابن حجر: "قيمة الشيء ما تنتهي إليه الرغبة٣"، وقال العدوي: "القيمة، الثمن الذي يشتري به الناس"٤، وقال ابن عابدين: "القيمة ما قوم به الشيء _________ ١ المعجم الوسيط، ٢/٧٦٨، والمنجد، ٦٦٤. ٢ المحلى، ٨/٤٤٢. ٣ فتح الباري، ٢/١٠٥. ٤ الخرشي على سيدي خليل وبهامشه حاشية علي العدوي، ٥/١٥٢.
1 / 249
بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان"١. وجاء في مجلة الأحكام العدلية: "القيمة الثمن الحقيقي للشيء وكذلك ثمن المثل"٢.
القيمة في الاقتصاد: تدل هذه الكلمة في الاقتصاد على القيمة التبادلية (Value in exchange) وهي الكمية من سلعة أخرى التي يجري تبادلها مقابل سلعة معينة، ونظرًا لعدم إمكانية تبعيض كثير من السلع اهتدى الإنسان إلى اختيار سلعة ما لقياس القيم النسبية للسلع الأخرى، وتسمى هذه السلعة النقود، وبذلك تكون القيمة التبادلية لأي سلعة هي سعرها الذي يقوم عليه الثمن، وكانت في بادئ الأمر من الذهب أو الفضة، وبعد التطور الاقتصادي الهائل الذي شهده العالم جاءت النقود الورقية لتحل محل الذهب والفضة.
ولكي تكون للسلعة قيمة تبادلية لابد أن تكون سلعة اقتصادية كالقمح والبترول، أي سلعة لها صفة المنفعة (economic good) ٣ وتقوّم قيمة السلعة بسعرها في السوق نقدًا.
_________
١ حاشية ابن عابدين، ٤/٥٧٥.
٢ درر الحكام شرح مجلة الأحكام الشرعية، ١/١٠٨.
٣ موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية، ٨٢٧.
ثالثًا: السعر: كمية النقود (الوحدات النقدية) التي يدفعها الإنسان مقابل شراء أو بيع أي شيء، والسعر إقرار بالقيمة النقدية لوحدة من سلعة معينة أو خدمة١ والوحدة النقدية لأي دولة هي وحدة تقاس بها قيمة السلع والخدمات في المجتمع٢. وبعد ذكر التعريفات المختلفة للقيمة، نقول: إن القيمة المقصودة في البحث _________ ١ الموسوعة العربية العالمية، ٢/٢٥٧. ٢ النقود والبنوك، ١٩.
ثالثًا: السعر: كمية النقود (الوحدات النقدية) التي يدفعها الإنسان مقابل شراء أو بيع أي شيء، والسعر إقرار بالقيمة النقدية لوحدة من سلعة معينة أو خدمة١ والوحدة النقدية لأي دولة هي وحدة تقاس بها قيمة السلع والخدمات في المجتمع٢. وبعد ذكر التعريفات المختلفة للقيمة، نقول: إن القيمة المقصودة في البحث _________ ١ الموسوعة العربية العالمية، ٢/٢٥٧. ٢ النقود والبنوك، ١٩.
1 / 250
في البحث هي القيمة التبادلية، أي سعرها في السوق.
وبناء على ما سبق ذكره، يمكن القول: إن القيمة في صدقة الفطر (زكاة الفطر) مقدار ما يدفع من وحدات نقدية أو ما يقوم مقامها مقابل الكمية المحددة شرعًا من المواد العينية التي حددها الشارع، أو من غالب قوت أهل البلد، صدقة فطر عن المسلم الذي يملك قوته وقوت عياله يوم وليلة العيد.
والسؤال الذي يمكن طرحه، ما حكم زكاة الفطر بصورة عامة؟
المطلب الثاني: حكم زكاة الفطر الذي عليه جمهور أهل العلم وجماعة فقهاء الأمصار أنها واجبة فرضًا، أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم١، لما رواه الشيخان عن ابن عمر ﵄ قال: "فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" ٢ وإنها فريضة٣ لقوله ﷺ فرض، بمعنى ألزم وأوجب، لأن معنى فرض رسول الله عند أكثر أهل العلم أوجب٤، ودعوى أن فَرض بمعنى قدّر، مردود، بأن كلام الراوي - لاسيما الفقيه - محمول على الموضوعات الشرعية٥، وما أوجبه _________ ١ الكافي في فقه أهل المدينة، ١/٣٢٤، وموسوعة الإجماع الفقهي، ١/٥١٩، وسنن أبي داود، ٢/٢٦٢. ٢ أخرجه البخاري في كتاب الزكاة – باب فرض صدقة الفطر، ٢/١٣٨. ٣ المغني، ٣/٥٥، والمبسوط، ٣/١٠١. ٤ المبسوط، ٣/١٠١، والمغني، ٣/٥٥. ٥ شرح الزركشي، ٢/٥٦٥.
المطلب الثاني: حكم زكاة الفطر الذي عليه جمهور أهل العلم وجماعة فقهاء الأمصار أنها واجبة فرضًا، أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم١، لما رواه الشيخان عن ابن عمر ﵄ قال: "فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" ٢ وإنها فريضة٣ لقوله ﷺ فرض، بمعنى ألزم وأوجب، لأن معنى فرض رسول الله عند أكثر أهل العلم أوجب٤، ودعوى أن فَرض بمعنى قدّر، مردود، بأن كلام الراوي - لاسيما الفقيه - محمول على الموضوعات الشرعية٥، وما أوجبه _________ ١ الكافي في فقه أهل المدينة، ١/٣٢٤، وموسوعة الإجماع الفقهي، ١/٥١٩، وسنن أبي داود، ٢/٢٦٢. ٢ أخرجه البخاري في كتاب الزكاة – باب فرض صدقة الفطر، ٢/١٣٨. ٣ المغني، ٣/٥٥، والمبسوط، ٣/١٠١. ٤ المبسوط، ٣/١٠١، والمغني، ٣/٥٥. ٥ شرح الزركشي، ٢/٥٦٥.
1 / 251
رسول الله ﷺ فبأمر الله أوجبه، وما كان ينطق عن الهوى، فأجمعوا عل أن رسول الله ﷺ أمر بزكاة الفطر، وقالت فرقة هي منسوخة بالزكاة، وقال جمهور من أهل العلم من التابعين ومن بعدهم، هي فرض واجب على حسب ما فرضها رسول الله ﷺ. وقال بعض أهل العلم منهم: مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه لم ينسخها شيء. قال إسحاق: هو الإجماع١.
وقد رأى أبو العالية وعطاء وابن سيرين صدقة الفطر فريضة٢، والأصل في وجوبها قبل الإجماع، قول ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم٣، والقول بوجوبها من جهة اتباع المؤمنين لأنهم الأكثر، والجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم، ووجوبها مجمع عليه ولا التفات لمن غلط فقال بعدمه٤.
وجاء في الاستذكار لابن عبد البر، إن بعض المتأخرين من أصحاب مالك وداود، قالوا: إنها سنة مؤكدة٥، وقال أبو حنيفة: إنها واجبة، وليست بفريضة بناء على مذهبه في التفريق بين الفرض والواجب، حيث إن الفرض ما ثبت بدليل قطعي والواجب ما ثبت بدليل ظني٦، وهذا بخلاف الفرض عند
_________
١ الاستذكار، ٩/ ٣٤٨-٣٤٩. فقد نُقل عن ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك، كما ورد في فتح الباري ٣/٣٦٧، والمغني ٣/٥٣، ومعالم السنن، ٢/٢٦٢.
٢ البخاري، ٢/١٣٨، والمغني، ٣/٥٥.
٣ مغني المحتاج، ١/٤٠١.
٤ الاستذكار، ٩/٣٥٠+ وفتح الجواد، ١/٢٧٧، وكفاية الآخيار، ١/١٩١.
٥ الاستذكار، ٩/٣٥٠.
٦ المجموع، ٦/٨٥.
1 / 252
الجمهور، حيث يشمل الفرض والواجب عند أبي حنيفة، وبهذا لا خلاف في الحكم، وإنما اختلاف في الاصطلاح.
ويمكن القول: إن زكاة الفطر واجبة وجوب فرض، لقول ابن عمر السابق، ولإجماع العلماء على أنها فرض، لأن الفرض إن كان واجبًا فهي واجبة، وإن كان الواجب المتأكد فهي متأكدة، مجمع عليها١، والمشهور إنها فرضت - وجبت - في السنة الثانية من الهجرة عام فرض الصوم٢ فهي واجبة على كل مسلم فضل عن قوته وقوت من تلزمه مؤنته وحوائجه الأصلية يوم العيد وليلته، صاع ولا يمنعها إلا يُطلبه٣، أي أن يكون مطالبًا بالدين فعليه قضاء الدين ولا زكاة عليه٤.
_________
١ المغني، ٣/٥٥.ولمعرفة فرضيتها راجع سنن أبي داود، ٢/٢٦٤.
٢ شرح روض الطالب في أسنى المطالب، ١/٣٨٨.
٣ الروض الندي، ١/١٥٣-١٥٤ ومثله في معالم السنن بهامش سنن أبي داود، ٢/٢٦٢
٤ المغني ٣/٨٠.
المطلب الثالث: الحكمة في كل من فريضة زكاة الفطر ومقدارها إن المتتبع للحكمة في فريضة زكاة الفطر يجدها تتعلق بالصائم وبالآخذ لها فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، للغني والفقير١ على حد سواء فهي مثل سجود السهو في الصلاة تجبر النقصان في الصيام بما يخدشه من أمور الدنيا٢، أما الغني فيزكيه الله وأما الفقير فيرد الله عليه أكثر مما أعطى، ففيها بركة للمنفق _________ ١ حاشية الشرواني، ٣/٣٠٦ ونيل الأوطار، ٤/٢٥٨. ٢ حاشية الشرواني، ٣/٣٠٥.
المطلب الثالث: الحكمة في كل من فريضة زكاة الفطر ومقدارها إن المتتبع للحكمة في فريضة زكاة الفطر يجدها تتعلق بالصائم وبالآخذ لها فهي طهرة للصائم من اللغو والرفث، للغني والفقير١ على حد سواء فهي مثل سجود السهو في الصلاة تجبر النقصان في الصيام بما يخدشه من أمور الدنيا٢، أما الغني فيزكيه الله وأما الفقير فيرد الله عليه أكثر مما أعطى، ففيها بركة للمنفق _________ ١ حاشية الشرواني، ٣/٣٠٦ ونيل الأوطار، ٤/٢٥٨. ٢ حاشية الشرواني، ٣/٣٠٥.
1 / 253
والآخذ، فعن ابن عباس ﵄ قال: "فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصيام من اللغو والرفث وطعمه للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" ١.
كما أن في فريضة الزكاة إغناء للفقراء يوم العيد، جاء ببلغة السالك "وحكمة مشروعيتها - أي زكاة الفطر - الرفق بالفقراء في إغنائهم عن السؤال ذلك اليوم" ٢.
والدليل على أن المقصود من زكاة الفطر إغناء الفقير يوم العيد أن أفضل وقت لإخراجها قبل خروج الناس إلى الصلاة حيث كان هديه ﷺ إخراج هذه الصدقة قبل صلاة العيد٣، فعن ابن عمر ﵄ قال: "أمرنا رسول الله ﷺ بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"، قال: "وكان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين"٤ وهكذا كان الأمر بإخراج زكاة الفطر في وقت لصيق بعيد الفطر حتى يحصل الغنى، ويكون لدى الفقير ما يكفيه ويغنيه في يوم
_________
١ سنن أبي داود-كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، ٢/١١١، وصحيح سنن ابن ماجة ١/٣٠٦، ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط البخاري، ٢/٣٢، وقال عنه مجمد حلاق في تحقيق سبل السلام (حسن)، ٤/٦٦، وكذلك في إرواء الغليل، ٣/٨٤٣ وقال الدارقطني في سننه: ليس في رواته مجروح، ٢/١٣٨.
٢ بلغة السالك، ١/٢٣٦.
٣ زاد المعاد في خير هدي العباد، ٢/١٩.
٤ صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل العيد، ٢/١٣٩: وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، ٧/٦٣، وأخرجه أبو داود في كتاب الزكاة - باب متى تؤدى زكاة الفطر، ٢/١١١.
1 / 254
العيد، وبذلك يدخل السرور على الفقراء والمساكين، ويشعرهم باهتمام المجتمع بهم مما يؤدي إلى الألفة والمحبة بين أفراد الأمة.
قال القفال: "والحكمة في إيجاب الصاع - أي مقدار زكاة الفطر - أن الناس غالبًا يمتنعون عن التكسب في يوم العيد وثلاثة أيام بعده، ولا يجد الفقير من يستعمله فيها لأنها أيام سرور وراحة عقب الصوم، والذي يتحصل من الصاع عند جعله خبزًا ... هو كفاية الفقير في أربعة أيام" ١، كما أن مقدار زكاة الفطر مقدار قليل وإخراجه مما يسهل على الناس من غالب قوتهم حتى يشترك أكبر عدد ممكن من أفراد الأمة في تأدية هذه الفريضة التي تعتبر كالإسعاف العاجل في مثل هذه المناسبة الكريمة.
وفرض الشارع الطعام ذلك أن الزكاة المالية تتعلق بالمال فأمر الله المزكي أن يواسي المستحقين بما أعطاه الله تعالى، والفطرة زكاة البدن فوقع النظر فيها إلى ما هو غذاء البدن وبه قوامه٢ وهو الطعام من غالب قوت أهل البلد، وهو من أهم ما يحتاجه الفقير. وبناء على ذلك هل يجوز إخراج قيمة الطعام المفروض بدلًا من عينه زكاة فطر؟ أو ما حكم إخراج زكاة الفطر قيمة؟ هذا ما سنعرض له فيما يلي حسب مذاهب الفقهاء في ذلك.
_________
١ نهاية المحتاج، ٣/١٢١.
٢ المرجع السابق، ٣/١٢٢.
المطلب الرابع: مذاهب الفقهاء في إخراج زكاة الفطر قيمةً اختلف الفقهاء في جواز إخراج زكاة الفطر قيمة تبعًا لاختلافهم في جواز إخراج القيمة في زكاة المال بصورة عامة، ومن خلال دراسة آراء الفقهاء
المطلب الرابع: مذاهب الفقهاء في إخراج زكاة الفطر قيمةً اختلف الفقهاء في جواز إخراج زكاة الفطر قيمة تبعًا لاختلافهم في جواز إخراج القيمة في زكاة المال بصورة عامة، ومن خلال دراسة آراء الفقهاء
1 / 255
في زكاة الفطر وما يتصل بها، يمكن حصر مذاهب الفقهاء في إخراج زكاة الفطر قيمة (نقدًا) في مذهبين رئيسين:
المذهب الأول: جواز إخراج القيمة مطلقًا
كما قال بذلك الإمام أبو حنيفة النعمان وسفيان الثوري وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري، وأبو يوسف واختاره من الحنفية الفقيه أبو جعفر الطحاوي وعليه العمل عند الأحناف في كل زكاة وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور - عند الضرورة والمقصود بالضرورة الحاجة أو المصلحة الراجحة - وغيرهم١.
وفيما يأتي بعض النقول عن بعض الفقهاء في هذه المسألة:
فقد جاء في موسوعة فقه سفيان الثوري: "لا يشترط إخراج التمر أو الشعير أو البر في زكاة الفطر بل لو أخرج قيمتها مما هو أنفع للفقير جاز لأن المقصد منها إغناء الفقراء عن المسألة وسد حاجتهم في هذا اليوم"٢.
وجاء في مصنف ابن أبي شيبه عن قرة قال "جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر نصف صاع عن كل إنسان، أو قيمته نصف درهم، وعن الحسن قال: لا بأس أن نعطي الدراهم في صدقة الفطر، وأبو إسحاق قال: أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام" ٣.
وجاء في كتاب المبسوط: "فإن أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا، لأن المعتبر حصول الغني وذلك يحصل بالقيمة كما يحصل بالحنطة، وكان الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى يقول: أداء القيمة أفضل، لأنه أقرب إلى منفعة الفقير، فإنه
_________
١ زكاة الفطر أحكامها ونوازلها، ١٢٥.
٢ موسوعة فقه سفيان الثوري، ٤٧٣.
٣ المصنف في الأحاديث والآثار، ٣/١٧٤
1 / 256
يشتري به ما يحتاج إليه، والتنصيص على الحنطة والشعير كان لأن البياعات في ذلك الوقت بالمدينة يكون بها، فأما في ديارنا البياعات تجري بالنقود، وهي أعز الأموال، فالأداء بها أفضل" ١.
وجاء في بدائع الصنائع: "وأما صفة الواجب أن وجوب المنصوص عليه من حيث إنه مال متقوم على الإطلاق، لا من حيث إنه عين، فيجوز أن يعطى عن جميع ذلك القيمة دراهم أو دنانير أو فلوسًا أو عروضًا أو ما شاء وهذا عندنا (أي الأحناف) أن الواجب في الحقيقة إغناء الفقير، لقوله ﷺ: "أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم"، والإغناء يحصل بالقيمة بل أتم وأوفر لأنها إلى دفع الحاجة، وبه تبين أن النص معلول بالإغناء وأنه ليس في تجويز القيمة يعتبر حكم النص في الحقيقة" ٢.
وجاء في الهداية شرح بداية المبتدئ: "والدقيق أولى من البر والدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبي يوسف"٣وجاء مثله في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: "والدراهم أولى من الدقيق لأنها أدفع لحاجة الفقير وأعجل به يروى ذلك عن أبي يوسف واختاره الفقيه أبو جعفر" ٤.
وجاء في حاشية مراقي الفلاح: "ويجوز دفع القيمة وهي أفضل عند وجدان ما يحتاجه لأنها أسرع لقضاء حاجة الفقير، وإن كان زمن شدة فالحنطة والشعير وما يؤكل أفضل من الدراهم"٥.
_________
١ المبسوط، ٢/١٠٧-١٠٨.
٢ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ٢/٩٦٩. الحديث أخرجه البيهقي في سننه، ٤/١٧٥، وهو ضعيف لأن فيه مجمد بن عمر الواقدي.
٣ الهداية شرح بداية المبتديء، ١/٧١.
٤ تبيين الحقائق، ١/٣١. وهذا ما جاء في شرح فتح القدير لابن الهمام، ٢/٤٢ وكذلك في الفتاوى الهندية، ١/١٩٢.
٥ حاشية على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، ١/٥٩٦.
1 / 257
من النصوص السابقة يتبين جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر حسب رأي من قال بجواز إخراج زكاة الفطر قيمة، وكما هو واضح من النصوص، احتج كثير منهم بأن ذلك أنفع للفقراء، وأدفع لحاجتهم، ويتم به إغناؤهم.
والأحناف الذين هم يتزعمون هذا المذهب على الرغم من قولهم بجواز أداء القيمة بدل العين في زكاة الفطر، إلا أنه يجب التنويه إلى ما يلي:
١) أنهم فضلوا أداء الحنطة والشعير وما يؤكل في زكاة الفطر عن الدراهم وقت الشدة ويظهر ذلك فيما ذكر في مراقي الفلاح.
٢) لا يجوز أداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة سواء كان الذي أدى عنه من جنسه أو من خلاف جنسه بعد أن كان منصوصًا عليه، كمن يؤدي نصف صاع حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط، أو نصف صاع من تمر تبلغ قيمته نصف صاع من الحنطة عن الحنطة، لأن القيمة لا تعتبر في المنصوص عليه، وإنما تعتبر في غيره. وأما في خلاف الجنس، فوجه التخريج أن الواجب في ذمته في صدقة الفطر عند هجوم وقت الوجوب أحد شيئين إما عين المنصوص عليه وإما القيمة، ومن عليه الواجب بالخيار إن شاء أخرج العين، وإن شاء أخرج القيمة١.
وفي رواية عن أحمد تجزئ القيمة مطلقًا، وعنه تجزئ في غير الفطر٢ والواقع أن ذلك في غير الفطرة، كما يظهر في النص التالي من فتاوى ابن تيمية ﵀ عن إخراج القيمة في الزكاة: "والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدر النبي ﷺ الجبران بشاتين أو عشرين درهمًا، ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج
_________
١ بدائع الصنائع، ٢/٩٧٠.
٢ الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجّل أحمد بن حنبل، ٣/٥.
1 / 258
القيمة مطلقًا، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة وهذا معتبر في مقدار المال وجنسه وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به، مثل أن يبيع ثمر بستانه، أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزيه ولا يكلف أن يشتري تمرًا، أو حنطة إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه، وقد نص أحمد على جواز ذلك"١ والواقع أن ذلك في زكاة المال وليس في زكاة الفطر الأمر الذي قاس بعضهم زكاة الفطر على زكاة المال وجوزوا إخراجها قيمة، مما جعل بعضهم يعتمد على حالات في زكاة المال ليجوز إخراج زكاة الفطر قيمة، فلا حاجة للقول بإطلاق جواز إخراج القيمة، إلا إذا كانت هناك مشقة واضحة أو تعذر إخراج العين في زكاة الفطر، حيث إن المشقة تجلب التيسير، إذا كان هناك ضرورة وحاجة دون المصلحة الكمالية٢.
وممن قال بجواز إخراج القيمة وفقًا للظروف وتغير المكان شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت حيث قال: "وتكفي قيمة الحبوب من النقود وربما كانت القيمة النقدية أرفق للصائم، وأنفع للفقير، ونظرًا لتنوع حاجة الفقير وهو أدرى بها من غيره، وقد لا يتيسر له الاستبدال، فكانت القيمة أدخل في قضاء الحاجة، والذي استحسنه وأختاره لنفسي، أني إذا كنت في المدينة أخرجت القيمة، وإذا كنت في القرية بعثت بالتمر والزبيب والبر والأرز ونحوها هدية المسلم لأخيه في شهر التكريم وعيد السرور" ٣.
وخلص عبود بن علي بن درع (محاضر بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أبها): "إلى أن إخراج القيمة في زكاة الفطر للحاجة والمصلحة
_________
١ مجموعة فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، ٢٥/٨٢-٨٣.
٢ فلسفة التشريع في الإسلام، ٣٠٣-٣١٠.
٣ الفتاوى، ١٥٦-١٥٧.
1 / 259
أمر جائز إذا كانت القيمة بالنقود دراهم ودنانير والمدفوعة إليهم سكنوا المدن فإن إعطاءهم نقودًا عوضًا عن حنطة أو شعير هو الأنفع لهم ويمكنهم من سد حاجتهم بهذه النقود بسهولة ويسر إذ يستطيعون أن يشتروا بها ما يحتاجون من قوت وغيره. أما بغير حاجة ولا مصلحة راجحة، بل المصلحة في إعطائهم من الأصناف الواردة في الحديث الشريف فلا يجوز الدفع بالقيمة كما لو كان أداء زكاة الفطر في البوادي والقرى النائية حيث الانتفاع وسد الحاجة بالأقوات أيسر من الانتفاع بالنقود وهو اختيار ابن تيمية وغيره" ١.
وقال محمد الشريف (عميد كلية الشريعة بجامعة الكويت) في بحث له: "تخرج زكاة الفطر من غالب قوت البلد سواء أكان حبًا أم غير ذلك من المطعومات، كاللحم ونحوه، ولا يخرجها من المعيب والمسوس ونحوهما ويجوز إخراجها نقدًا، إذا كان في ذلك مصلحة الفقير، أو كان أيسر على المخرج، أو رأى الإمام أو الساعي مصلحة في ذلك" ٢. وكل الأقوال السابقة تدور حول منفعة الفقير.
أدلة الذين أجازوا إخراج زكاة الفطر قيمة:
والذين أجازوا إخراج القيمة بدلًا من العين من الحنفية ومن وافقهم من الفقهاء استدلوا بما يلي:
إن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة﴾ ٣، فالمال هو الأصل، وبيان رسول الله ﷺ المنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا للتقييد الواجب، وحصر المقصود فيه، لأن أهل البادية
_________
١ إخراج القيمة في زكاة الفطر، ٢٨.
٢ زكاة الفطر أحكامها ونوازلها المستجدة، ١٣٧.
٣ سورة التوبة، آية ١٠٣.
1 / 260
وأرباب المواشي تعزّ فيهم النقود، وهم أكثر من تجب عليه الزكاة، فكان الإخراج مما عندهم أيسر عليهم، ألا ترى أنه قال في خمس من الإبل شاة وكلمة شاة للظرف وعين الشاة لا توجد في الإبل، فعرفنا أن المراد قدرها من المال١، ورأى" رسول الله ﷺ في إبل الصدقة ناقة كوماء فغضب على المصدق، وقال: ألم أنهكم عن أخذ كرائم أموال الناس فقال الساعي: أخذتها ببعيرين من إبل الصدقة، وفي رواية ارتجعتما ببعيرين، فسكت رسول الله ﷺ"، وأخْذ البعير ببعيرين إنما باعتبار القيمة٢.
إن وجوب المنصوص عليه من حيث إنه مال متقوّم على الإطلاق لا من حيث إنه عين فيجوز أن يعطى عن جميع ذلك القيمة دراهم أو دنانير أو فلوسًا أو عروضًا أو ما شاء٣.
إذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزكاة المفروضة في الأعيان، فجوازها في الرقاب أولى وهي صدقة الفطر٤.
يجوز عندهم أن يعطى عن جميع ما ذكر في حديث ابن عمر ﵄ القيمة دراهم أو دنانير لأن الواجب إغناء الفقير، وإدخال السرور على نفسه، لقوله ﷺ: "أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم". والإغناء يحصل بالقيمة بل أتم وأوفر وأيسر، لأنها أقرب إلى دفع الحاجة تبين أن النص معلول بالإغناء٥، إذ أن كثرة الطعام تحوجه إلى بيعه بأقل الأثمان للجصول على المال، والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات٦.
_________
١ المبسوط، ٢/١٥٦ والاستذكار، ٩/٣٤٦.
٢ المبسوط، ٢/١٥٦.
٣ بدائع الصنائع، ٢/٧٣.
٤ الاستذكار، ٩/٣٤٦.
٥ بدائع الصنائع، ٢/٧٢، المبسوط، ٢/١٥٧.
٦ فقه الزكاة، ٢/٩٤٩.
1 / 261
٥) اعتمد المجوّزون أخذ القيمة في زكاة الفطر على حديث أبي سعيد الذي ذكر فيه: "... حتى كان معاوية فرأى أن مدّين من برّ تعدل صاعًا من تمر" ١. وفي رواية: "فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: أرى مدًّا من هذا يعدل مدّين" ٢.
٦) أمر النبي ﷺ معاذًا حين خرج إلي اليمن بالتيسير على الناس فكان معاذ يأخذ الثياب مكان الذرة، لأنه أهون عليهم، فقد روي عن طاووس أن معاذ ﵁ قال لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم وخير لأصحاب النبي ﷺ في المدينة، ولا يكون ذلك إلا باعتبار القيمة، أي جواز أخذ العرض، والمراد به ما عدا النقدين، قال ابن الرشيد: وقد وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم٣. وكان عمر بن الخطاب ﵁ يأخذ العروض في الصدقة من الدراهم٤.وفي إخراج الشاة عن خمس من الإبل دليل على أن المراد قدرها من المال.
٧) إن أداء القيمة أهون على الناس وأيسر في الحساب، وهذا يتفق ومصالح الشريعة، كما أنه أيسر بالنظر إلى المناطق الصناعية التي لا يتعامل فيها إلا بالنقود وهو الأنفع للفقراء٥.
٨) إن رسول الله ﷺ إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة، إما لندرة النقود عند العرب وإما أن قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها
_________
١ صحيح مسلم، كتاب الزكاة، زكاة الفطر، ٧/٦٢.
٢ صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب، ٢/١٣٩.
٣ صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب العرض في الزكاة، ٢/١٢٢.
٤ المغني، ٣/٦٥.
٥ فقه الزكاة، ٢/٩٤٩.
1 / 262
الشرائية من عصر إلى عصر بخلاف الصاع والطعام، فكان أيسر علىالناس إعطاء الطعام١.
وبعد استعراض الأدلة السابقة من النقل والعقل والنظر يمكن الرد على المجوزين إخراج زكاة الفطر قيمة بما يلي:
الردود على من قال بإخراج زكاة الفطر قيمة:
المراد بزكاة الفطر الأعيان لا قيمتها، والواقع أن رسول الله ﷺ عندما فرض زكاة الفطر صاعًا ذكر أشياء مختلفة القيم فدل أن المراد الأعيان لا قيمتها٢. وهذا ما يفهم من حديث أبي سعيد الخدري ﵁ حيث قال: "كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله ﷺ زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعًا من طعام، أو صاعًا من إقط أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجًا، أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك، فقال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت"٣.
وهذا الحديث يحدد المقدار ولم يحدد القيمة مع أن رسول الله ﷺ يعلم أن الدنيا ستقبل على المسلمين فلا يعجزه أن يحدد زكاة الفطر بمقدار من الدراهم أو الدنانير، ربما كان ذلك لحكمة أرادها وهي أن قيمة النقود ليست ثابتة لما يعتريها ما يسمى بالتضخم مما يقلل من قيمتها الحقيقية، فجعلت الزكاة من أعيان الاقتيات لأنها كميات لا تتأثر بالأسعار انخفاضا
_________
١ فقه الزكاة، ٢/٩٤٩.
٢ إخراج القيمة في زكاة الفطر، ٢٨.
٣ صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب، ٢/١٣٩، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، زكاة الفطر، ٧/٦٣ وأخرجه أبو داود، ٢/١١٣، النسائي، ٥/٣٨.
1 / 263
وارتفاعًا، فالحاجة إليها بغض النظر عن قيمتها النقدية، وأما رأي معاوية ﵁ فهو رأي شخصي له ولم يسمعه من رسول الله ﷺ، ويدل على غلاء البر في ذلك الوقت، فلو طبقنا رأيه الآن في وقت يعادل فيه ثمن صاع من التمر أضعاف ثمن البر هل سنعود إلى اعتبار صاع من التمر يعادل أكثر من صاع من البر؟، هذا الأمر يثبت أن فرض الصاع من الأقوات المذكورة لم ينظر إليه قيمة بل مكيالًا، وهو توقيفي فالمكيلات والعدديات في العبادات لا يجوز إدخال التعديل عليها بتبدل الأزمان والأحوال، فلا يجوز لأحد أن يخرج عما حدده رسول الله ﷺ، حتى لا ينقلب التشريع من تشريع الهي إلى تشريع بشري مزاجي تتلاعب به الآراء.
وكما جاء في فتح الباري: "وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الإتباع والتمسك بالآثار وترك العدول إلى الاجتهاد مع وجود النص، وفي صنع معاوية وموافقة الناس له على جواز الاجتهاد، وهو محمود، لكنه مع وجود النص فاسد الاعتبار" ١ والجمهور يجيبون عنه بأنه قول صحابي وقد خالفه أبو سعيد وغيره من الصحابة، وإذا اختلفت الصحابة لم يكن قول بعضهم بأولى من بعض فنرجع إلى دليل آخر ووجدنا ظاهر الأحاديث والقياس متفقان على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها٢.فالمقصود بالطعام البر أو ما يسمى الحنطة أو القمح، لأن معنى الطعام كل ما يتخذ منه القوت من الحنطة والشعير والتمر، ويطلقه أهل الحجاز والعراق على البر خاصة. قال خليل: إن العالي في كلام العرب أن الطعام هو البر خاصة٣.
_________
١ فتح الباري بشرح صحيح البخاري، كتاب الزكاة، ٣/٣٧٤.
٢ صحيح مسلم، كتاب الزكاة، ٧/٦١.
٣ القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، ٢٢٩.
1 / 264