روح عظيم المهاتما غاندي
روح عظيم المهاتما غاندي
اصناف
ل واستطال وازدرى
ووقر في أنفسهم أنهم يكسبون الشجاعة وقوة الخلق إذا نبذوا معيشتهم، وأكلوا وشربوا ودخنوا وقصفوا ولعبوا كما يفعل الشبان الإنجليز.
ووسوس بهذا إلى غاندي زميل من زملاء المدرسة، فسرق غاندي دريهمات من خادمه ليصبح بطلا تعتز به الهند في وجه الدولة البريطانية ... وأكل اللحم المحرم، وهم باستباحة غيره من المحرمات. وجرأته السرقة الأولى على سرقة أخرى، فعاد إلى السرقة في المرة الثانية؛ لأنه رأى دائنا يلح على قريبه في طلب دين عليه، فاختلس من يد ذلك القريب قطعة ذهبية ليؤدي عنه دينه الذي يمطل به غريمه.
وعز على غاندي وصاحبه أن يختلسا القوة هكذا، وألا يجسر أحدهما على مكاشفة أهله بما يفعل فساورهما الأسف وحز في نفسيهما الكبت والروغان، وفكرا في «الانتحار» واشتريا السم فعلا وأكلا منه، ولكن دون المقدار الذي يميت.
وخيل إلى غاندي فترة من الزمن أنه ينكر كل عقيدة ويلحد في الله، إلا أنها كلها محنة عارضة لا مفر منها لقديس صغير، فإن القديس الصغير لا يولد وهو قديس كبير، فغشيته الصدمة الأولى كما لا بد أن تغشاه، وكانت غاشية غريبة عن طبيعته ومزاجه وتربيته، فلم يلبث طويلا حتى ثاب إلى إيمانه وتقاليد قومه. فاجتنب اللحم وعافه حتى بات يتقزز من رؤيته ويفزع من الحلم بمنظره، وكان بره بوالديه - ولا سيما والدته - من أكبر أسباب توبته ورجوعه إلى سالف اعتقاده؛ لأنه أشفق أن يعلما باستباحته أكل اللحم، وهي فظاعة عندهم كفظاعة أكل الخنزير عند المسلم، وأنف أن يكذب عليهما ويلقاهما بالرياء والخداع، ولم يكن من طبعه نهما ولا مسترسلا مع الإباحة والإنكار، فعاد بعد هذه الغاشية إلى إيمان أثبت من إيمان الطفولة وأقوى.
وتزوج غاندي - كما تقدم - على عادة قومه وهو في الصبا الباكر، فخطبت له الصبية «كسترباي» من عشيرته وهو في الثامنة، وبنى بها وهو في الثالثة عشرة، ولم يبلغ العشرين حتى صار أبا لأربعة أطفال، أكبرهم «هيرالال» الذي مات بعد مقتله ببضعة أشهر، وكانت وراثته «الغاندية» قلقا دينيا خامره منذ صباه، فلم تعجبه الجينية ولا البرهمية، وانتحل الإسلام والمسيحية، واعتزل أهله منذ فارق نحلة الأسرة إلى أن مات (يونيو 1948).
ولا يذكر غاندي بالرضى زواجه في هذه السن الباكرة. فكتب في ترجمة حياته أن أهله أصروا على تزويجه وتزويج أخيه، وأحد أبناء أعمامه في يوم واحد «ولم ينظروا إلى مصالحنا ولا عنوا بسؤالنا، كأنما كل ما في الأمر أنهم راضون وأنهم قادرون على تكاليف الزفاف، وليس الزواج عند الهندوكيين بالأمر الهين، فقد يجر الخراب على أسرتين، وفيه ما فيه من تضييع المال والوقت وقضاء أشهر في إعداد الملابس والحلي وأدوات الزينة وإقامة المآدب، ومباراة كل من الأسرتين للأخرى في النفقة؛ لتبذها في السرف ومظاهر الوجاهة.»
وأصاب غاندي في امتعاضه من هذه العادة التي لا خير فيها؛ لأن نفقات هذا الزفاف الضخم قد نالت من ثروة أبيه وهي ليست بالثروة الطائلة. فقد كان الرجل أعف من أن يستخدم منصبه لابتزاز المال، ولعل امتعاض غاندي من تزويجه في هذه السن على غير موافقة منه قد ظل عالقا بنفسه إلى أن تولى زعامة قومه، فأنحى على هذه العادة أشد إنحاء، واستهدف من جراء ذلك لغضب الكثيرين من المحافظين.
ويمكن أن يقال: إن الصبي القديس كان يقبل على الشيء أن ينفر منه بمقدار نصيبه من اختياره، فنفر في صباه من المسيحية؛ لأن المبشرين بها كانوا يفرضون بشارتها فرضا على الصغار والكبار، ونفر من الألعاب الرياضية؛ لأنها كانت «مادة إجبارية» في المدرسة، وكان إصغاؤه إلى أحاديث المسلمين عن دينهم أيسر وأسمح؛ لأنهم كانوا لا يقحمونها على مستمعيها.
أما تعليم الصبي فقد اتبع فيه أهله ما يتبع في تعليم الأطفال من أبناء أمثالهم، وكان أبوه في راجكوت حين بلغ موهانداس الصغير سن السابعة أو سن الدراسة الابتدائية، فألحقه بمدرستها وانتظم في المدرسة الثانوية وهو في الثانية عشرة، وقال عن نفسه: إنه كان في طفولته فج الذاكرة فلم يحفظ جدول الضرب إلى بشق الأنفس، ولم يكن من التلاميذ اللامعين، ولكنه كان يقبل على دروسه ولا يتوانى في استذكارها.
نامعلوم صفحہ