الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
اصناف
أما حنة فإنها كانت قد اجتمعت مرارا ببستيان، فعلمت منه نزاهة قصد أرمان وشغفه بها وشدة رغبته بالاقتران بها؛ ما زاد حبها له وحقق أمانيها، ثم زارها أرمان فحقق بالعيان ما كانت علمته بالخبر، بحيث أصبحت لا تحلم إلا بتلك الأماني الزاهرة، ولا تحدث نفسها إلا بحب أرمان وبما ستلاقي معه من الغبطة والسعادة، وكانت قد استوثقت بينهما العلائق، فكان يكثر من زيارتها على قدر ما يسمح له المقام.
وقد علم القراء أنه عندما أتى شاهدا أندريا كان بستيان في منزله الجديد، فذهب إليه أرمان وتباحث مليا بشأن البراز، وكانا يتكلمان بصوت مرتفع بحيث سمعت حنة بعض حديثهما، وعلمت أنه سيحصل مبارزة ولكنها لم تعلم اسم المتبارزين، وكان آخر ما قال أرمان لبستيان: يجب أن تذهب الآن لترتب هذا الأمر المكدر، وأنت تعلم أنها تحبني بقدر ما أحبها، ويسئوني أنني لا أستطيع زيارتها في هذا المساء، حيث علينا أن ننام باكرا، وأما غدا فإنك تأتي إليها من قبلي وتخطبها رسميا بالنيابة عني. ثم انصرفا.
فاختلجت حنة لما سمعت وسقطت على كرسي في حالة تقرب من الإغماء وتقول: رباه! ما عسى أن يكون هذا الأمر المكدر!
ولبثت بعد ذلك ساعتين وهي غارقة في بحار الهواجس والقلق، إلى أن قرع الباب، فانتبهت من سبات غفلتها ونظرت إلى حاضنتها جرتريدة داخلة وبيدها رسالة مختومة، فقالت: لقد كلفني رجل لا أعرفه بأن أعطيك هذا الكتاب، ثم دفعته إليها ومضت، وفضت حنة ختامه وقرأت ما يأتي:
أول ما أبدأ به سؤالك المعذرة عما جسرت عليه من مكاتبتك.
فظنت أن هذا الكتاب قادم إليها من أرمان، فبحثت آخره لترى التوقيع فرأته غفلا، فعادت إلى القراءة:
إني أحبك يا سيدتي، وأول مرة نظرتك علمت أن قلبي قد شغل بعد ذلك الخلاء بهواك، وإن بك وحدك يناط مستقبل سعادتي.
فوضعت حنة يدها على قلبها وهي تقول: رباه! هذا هو. ثم استمرت في قراءتها:
إني واسع الثروة أيتها الحبيبة، وقد رأيتك ملاكا طاهرا، فأعددت لك جنة أعيش فيها على قدميك متى أراد الله تحقيق هذه الأماني، ولا أصح من تسميتها بذلك المنزل الأنيق الذي تحيط به الأشجار، وتكتنفه الرياحين والأزهار، وتئن فيه الأنهار لتغريد الأطيار حيث تناجي بلسان الهوى وتكشف أسرار القلوب؛ لأنك ستقيمين فيه، ومنازل الملائكة هي الجنات.
أيتها الحبيبة، إني لم أجسر أن أبوح لك بغرامي؛ لأني معرض لخطر عظيم، فإني سأبارز عدوا لي في الساعة السابعة من الصباح.
نامعلوم صفحہ