الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
اصناف
فضرب السائق الجواد بالسوط، فانطلق يعدو كالسهم، وما زال يسير في إثر المركبة حتى وقفت أمام قصر جميل بهيج المنظر، فنزل الشاب منها، ودخل إلى القصر مسرعا. أما بستيان فإنه أوقف المركبة على بعد قليل، وتقدم إلى مركبة الشاب فوقف أمام الجواد، وجعل يكلف أن يفحصه وقد أعجب به، ثم نظر إلى الخادم وقال له: أيبيع سيدك هذا الجواد؟ - لا أعلم، وإذا شئت فاسأله عن ذلك. - من هو سيدك؟ - إنه إنكليزي يدعى السير فيليام. - وأين منزله؟ - هو الذي تراه أمامك. - أهو الذي كان يسوق المركبة بنفسه وكنت وراءه. - نعم.
فتركه بستيان ودخل إلى ذلك القصر، فأوصله أحد الخدم إلى غرفة أندريا، واستأذن له بالدخول فدخل.
وكان أندريا قد غادر باريس منذ ثلاثة أعوام، فتغيرت هيأته بعض التغيير، ولكنها لم تكن تخفى على بستيان الذي رباه منذ نشأته. فلما رآه اندهش وظهرت منه إشارة الانذهال بالرغم منه، فلم يحفل بها أندريا، فقال بستيان: إني رأيت ذلك الجواد الكريم الذي كنت تسوقه، وقد أعجبت به غاية الإعجاب.
فأجاب أندريا بلهجة إنكليزية: إنه من خير الجياد، وقد أعطيت فيه ستة آلاف فرنك فأبيت بيعه. - ألا تزال إلى الآن تأبى هذا الثمن؟ - نعم.
وعند ذلك نهض أندريا فذهب إلى منضدة وأخذ سيكارة، فقدمها إلى بستيان الذي رأى به عرجا، فصاح وقد نسي موقفه قائلا: هذا هو بعينه.
وكان ذلك أن أندريا قد كبا به الجواد مرة في حداثته، فكسرت رجله وبقي فيها هذا العرج، فلما رآه بستيان يعرج لم يعد عنده شك به.
أما أندريا فإنه سمعه يقول: «هذا هو بعينه.» التفت إليه وقال بغاية الهدوء: أتعرفني يا سيدي، إني لم أرك قبل الآن؟ - لقد قيل لي إنك تدعى السير فيليام، وهذه أول مرة أرى فيها إنكليزيا ذا شعر أسود. - لست إنكليزيا بل أنا أيرلندي.
فقال بستيان ببرود: أظن أنك ولدت في فرنسا. - إنك غلطان يا سيدي فيما ظننت. - لا أراني غلطانا، بل إنك مولود في فرنسا بقصر كارلوفان.
ثم وقف وقال: وإن أباك يدعى فيليبون. - أعود وأقول لك إنك مخطئ. - وأنا أقول لك أيضا إن أباك الكونت فيليبون، قد تزوج بأرملة الكولونيل أرمان دي كركاز، وإن له منها ولدا وهو أخوك. - ليس لي أخوة ولم أولد بفرنسا، وليس أبي الكونت فيليبون، بل أنا وحيد، ولدت في أيرلندا، وأدعى السير فيليام. - إن أخاك يدعى الكونت أرمان دي كركاز، كما أنك تدعى الفيكونت أندريا.
فأجابه أندريا ببرود أدهش بستيان قائلا: إنك مخطئ، فإني لم أسم بهذا الاسم. - أصغ إلي أيها الفيكونت، إن أخاك قد بحث عنك طويلا في جميع الأنحاء، وهو قد غفر لك وعفا عنك، وعزم على أن يقاسمك ثروته، فإن قلبه الشريف لا يعرف الحقد، ولا سيما وأنتما ابنا أم واحدة، فهو يود أن تعيشا في منزل واحد، وقد تيسر لي بعد ما بذلت من العناء في التفتيش عنك أن أجدك، فلماذا تحاول الاحتجاب عني.
نامعلوم صفحہ