الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
اصناف
فارتجف أندريا عند سماعه هذا الكلام، أما الشاب فلم ينتبه إليه بل اندفع في حديثه فقال: وقد أراد ذلك السفاك أن يسلبني إياها بعدما بحث وعلم أنها عندي، فدخل إلى منزلها دخول السارق، وبينما هو يحاول أن يفر بها وهي تصيح وتستغيث، إذ دخلت أنا وهي مغمى عليها بين يديه.
فتطاعنا بالخناجر، ولا أذكر شيئا مما كان بيننا، ولا كم دامت تلك المعركة الهائلة، بل أذكر أنه طعنني بخنجره طعنة سقطت على إثرها لا أعي، ولم أستيقظ إلا بعد ساعتين فوجدت نفسي غريقا في بحر من الدماء، وذلك السفاك قد هرب بمن أحب.
قال هذا ونظر إلى أندريا، فرآه أصفر الوجه، والعرق ينصب من جبينه، فعاد إلى حديثه فقال: ولبثت ثلاثة أشهر أقاسي عذاب النزع، وأنا بين الموت والحياة، ولكني كنت في عنفوان الشباب فتغلبت قوى الشبيبة على تلك الحمى التي كدت أصل بها إلى الموت، وشفيت من مرضي، فقمت أطوف البلاد باحثا عمن عشقتها نفسي وعن خاطفها، ذلك اللص الذي كاد ينزع حياتي بنزعها مني.
وما زلت أطوف حتى التقيت بها في منزل حقير بقرية من قرى إيطاليا وحيدة شريدة، وقد غدر بها وتركها بغير مستقبل وبغير مال، فماتت وا أسفاه بين يدي، وهي تبتهل إلى الله، وتسأل لقاتلها الغفران.
ثم أجال نظره بين الحضور الذين كانوا محدقين به كأن على رءوسهم الطير، وقد ذهب الضحك من أفواههم وتقطبت وجوههم، فقال: والآن، فإن هذا الرجل، بل هذا اللص، بل هذا السفاك، قد لقيته هذه الليلة منذ ساعة، وآن لي أن أنتقم لتلك المرأة التعيسة ولنفسي. نعم، لقيت هذا الخائن فهو هنا بينكم.
ثم أشار بيده إلى أندريا وقال: وهذا هو.
وبينما أندريا يثب عن كرسيه إذ أماط الشاب اللثام عن وجهه، فصرخ جميع الحضور: هذا أرمان النقاش.
أما أرمان فإنه لم يبال بانذهالهم، بل نظر إلى أندريا، وقال بصوت يتهدج من الغضب: أندريا هل عرفتني؟
وفيما جميع الحضور منزعجون يتوقعون عراكا هائلا بين الاثنين، إذ فتح الباب وولج منه رجل كهل بملابس سوداء، فتقدم إلى أندريا دون أن ينظر نظرة إلى الحضور، وقال له: سيدي الفيكونت، إنك تعلم اشتداد وطأة المرض على أبيك الكونت فيليبون، وهو الآن على فراش الموت يريد أن ينظرك النظرة الأخيرة؛ لينال تعزية لم تنلها سيدتي والدتك.
فاغتنم أندريا هذه الفرصة للتخلص من موقفه الحرج، ونهض فودع الحاضرين بالإشارة فمشى.
نامعلوم صفحہ