الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

تانیوس عبده d. 1344 AH
197

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

اصناف

فابتسمت الكونتس وقالت له: لقد أنبأني به قلبي، وأنت لا تعرف يا لوسيان قلوب الأمهات، إنك ولدي الوحيد وليس لي سواك في هذا الوجود، فكيف أعترض سعادتك! تزوجها يا بني إذا كان في ذلك نعيمك فلا هناء لي إلا بهنائك.

فصاح لوسيان صيحة فرح، وأكب على صدر أمه يعانقها ودموع السرور تذرف من عينيه.

بعد ذلك ببضع ساعات؛ أي بعد أن حسب لوسيان أن أبواب النعيم قد فتحت له، كانت أمه الكونتس مختلية مع الشفالييه دي فولون.

وكانت تقول له: إنك لا تعرف من لوسيان ما أعرفه، فإنه خلق قبل عصره، وهو يحب فتاة الدير حبا يقينا، فلو أردت إقناعه أن زواجه بها محال لما بينهما من تباين المقام، لما فهم هذا القول؛ إذ هو يحسب جميع الناس سواء، ولذلك أذنت له بزواجها.

فدهش الشفالييه وقال: أنت يا سيدتي تأذنين لابنك وهو الكونت دي مازير أن يتزوج فلاحة لا يعرف أصلها؟

فابتسمت الكونتس وقالت: إننا نجد ألف سبب لتأخير هذا الزواج، وفي خلال ذلك يثوب إلى رشده وتبرد لوعة غرامه، أما الآن فيجب أن نصنع كل ما يريد. - لقد فهمت مرادك يا سيدتي، فليكن ما تريدين. - ألم تقل لي إن رئيس الدير والبيطري يحرسانها؟ - نعم. - أيوجد طريقة لمغافلتهما واختطاف الفتاة؟ - إني أتعهد بذلك يا سيدتي. - بورك فيك، فهذا الذي كنت أتوقعه منك، وما زال الأمر كذلك فلنسرع بالعمل ولنتداول فيه. - شأنك وما تريدين.

فنادت الكونتس عند ذلك تنوان، فلما جاءت قالت لها: اجلسي بيننا يا تنوان فإننا في حاجة إلى آرائك السديدة. وأقام أولئك الثلاثة يتآمرون على لوسيان بينما كان هذا الفتى الطاهر القلب السليم النية يصطاد العصافير في البستان.

19

وبعد أن فض مجلسهم، ذهب الشفالييه إلى لوسيان وقال له: ألا تروق لك المحادثة أيها الصديق؟

فأجابه لوسيان بملء السذاجة: في أي أمر تريد الحديث؟ - وأي حديث يشغلنا الآن غير حديث غرامك، فقل لي ألا تزال تحبها ومصرا على زواجها؟ - لا أنثني عن هذا العزم ما حييت. - وإذا سألتك أن تطلق يدي في أمرك، أتمنحني هذه السلطة؟ - بلا ريب. - إني أسألك أن تطيعني طاعة لا حد لها. - سأطيعك في كل ما أردت. - إذن فاسمع، إن أمك توافق على زواجك بها، أليس كذلك؟ - لقد رضيت بهذا الزواج صباح اليوم. - ولكن يوجد اثنان لا يرضيان به، وهما الأب جيروم وداغوبير. - لماذا؟ - لا أعلم، فلا بد أن يكون هناك سبب عظيم، ولكن ما زال هذا دأبهما فلا بد لنا من الاستغناء عن موافقتهما. - ماذا نصنع؟ - إن أبواب الدير تقفل في الساعة التاسعة من المساء، فلا يخرج الرهبان منه إلا في صباح اليوم التالي بحيث لا يبقى من حارس على الفتاة غير داغوبير. - وكفى به حارسا، فإنه يدافع عنها دفاع اللبؤة عن أشبالها. - لنفترض أن داغوبير غاب عن منزله، وأنك ذهبت إلى هذا المنزل عند منتصف الليل، فقرعت بابه وفتحت لك حنة. - وبعد ذلك؟ - يصبح الأمر منوطا بك، فإن حنة تحبك كما أظن. - إن الحب متبادل بيننا على السواء. - إذن تبسط لها عند الاجتماع حقيقة موقفها وتظهر لها أنها أسيرة في أيدي الظالمين، وأنك تريد أن تجعلها كونتس، فإذا أحسنت التعبير عن عواطفك وعرفت أن تتكلم بلغة أهل الغرام فإن حنة توافق على أن تتبعك، فتردفها وراءك فوق الجواد فلا يستفيق الرهبان من رقادهم حتى تكون اجتزت الدير بمراحل. - ولكن إلى أين أسير بها؟ - إلى هنا؛ أي إلى منزل أمك فإنها قد وافقت على زواجك، وليس في ذلك معرة ما زلت تأتي بها إلى أمك؛ إذ يتضح نبل غايتك متى اشتهر الأمر.

نامعلوم صفحہ