ویرجینیا وولف … ایک کہانی جو ابھی لکھی نہیں گئی
فرجينيا وولف … رواية لم تكتب بعد
اصناف
12
التي تناولناها بالترجمة ضمن هذا الكتاب.
إذن تحاول وولف في هذين العملين استكشاف طرائق تخلق العمل الإبداعي في مخيلة العقل البشري. فقد لاحظت وولف أنه لا يمكن لقارئ الرواية (المكتملة) أو لمشاهد اللوحة التشكيلية (المكتملة) أن يستقرئ خطوات ميكانيزم هذا التخلق الإبداعي المعقد: الملاحظة، الغربلة، التنظيم الإحداثي والحدثي (من إحداثيات وحدث)، رسم خريطة العلاقات والتأويلات ... إلخ، ثم الصياغة وإعادة الصياغة حتى يكتمل العمل فنا سويا. فالعقل البشري يقوم بأشد العمليات تعقيدا لتنظيم الوعي والإدراك مع الملموسات، الأمر الذي لا يمكن رصده أو نقله بشكل كلي وتام داخل إطار وصفي محدد مهما بلغت دقته. ومن هنا جاءت فكرة هذه الرواية التي لم تكتب بعد.
في «رواية لم تكتب بعد» ترصد وولف حالات التخلق الذهني لجنين رواية في طريقها إلى التخلق عن طريق أخذ القارئ عبر بدايات رواية لم تكتمل بعد، راصدة كيف يمكن أن تكتمل على أنحاء متباينة. تتحرك القصة أماما وخلفا بين حائطين من الخيال والواقع، كل يسهم في احتماليات الرواية ليحفر نهرا من الاقتراحات والاقتراحات البديلة، كل ذلك يتم داخل ذهن الراوية التي تختبر وتعالج كل الرؤى الممكنة اتكاء على مراقبتها شخصية امرأة معينة تجلس أمامها في إحدى كبائن القطار عبر رحلة إلى جنوب لندن. على الجانب الآخر، ترصد الراوية كل الكلمات الفعلية والإيماءات التي يأتي بها راكبو نفس الكابينة؛ ومن ثم ترسم - ذهنيا - اقتراحات متخيلة لكل منهم عبر خلق روائي تم من خلال الملاحظة، التقمص العاطفي، وتجسيد ما تشاهده خلال الرحلة ليتفق وتصورها المبدئي. يظهر هذا في آلية استدعاء التداعيات الذهنية للمحيطين من خلال قراءة أفكارهم وسلوكهم ثم التعامل ذهنيا ونفسيا مع تلك التداعيات.
ترسم وولف عملية الخلق الإبداعي كتجربة كاملة: بدايات خاطئة يتم استبدالها، ثم تصحيح النغمة ودرجة التماسك الدرامي، فمثلا، لا بد أن يجد الراوية جريمة متخيلة ارتكبتها البطلة «ميني مارش» لتتفق الحال مع ملامح الأسى المرسومة على وجهها، كذلك استبدال نبات السرخس بنبات الخلنج ليكون أكثر مناسبة مع المشهد المرسوم (بمعرفة الراوية) فيكتمل على نحو أفضل، إضافة أو طرح شخوص للرواية. ولا تغفل وولف حساب «الراوية» ذاتها كقوة دافعة في العمل، بالرغم من سعيه عادة في معظم الروايات، أعني الراوية، إلى التعالي فوق الحدث والشخوص، حيث يبدأ من أرض الرصد الصلبة، بعين العليم غير المتورط. لكن روح الفنان داخل وولف أجبرتها على الضلوع في الدراما طوال الوقت كراو غير عليم ومشارك ومتورط في الحدث.
ومثلما فعل بودلير في قصيدة «النوافذ»،
13
حين اعتمد الخيال كحيلة ذهنية من أجل انتزاع الأمن من الحياة وخلق شيء من الثقة بالنفس، أكدت وولف في تلك الرواية على حتمية انتصار روح الخلق الإبداعي داخل الفنان على روح العدمية والقنوط التي تصيب المبدع أحيانا. فكلما أثبتت حكايتها الأولى فشلها وتراءى لها كم أن حبكتها تبدو مضحكة سرعان ما تستجيب لروح المبدع داخلها وتشرع في نسج حبكة جديدة.
في هذه النوفيللا الثرية غزيرة التفاصيل، التي هي مشروع رواية لم تكتمل، وفي ذات الوقت عمل مكتمل البنية على نقصانه المتعمد، نلمس اشتجار الأبعاد الكثيفة للواقع الموضوعي، مع الراوية والناقد في آن، مع المحلل الذاتي داخل الراصد، بما لا يعطي مجالا للنهاية أن تكتمل. يتنامى الهاجس الإلهامي داخل المبدعة التي تنشد «عالما رائعا، مشاهد ملونة، وشخصيات أسطورية تنتظر أن تخلق»، لتقف الرواية على الحافة الحرجة بين النقص والاكتمال.
فرجينيا وولف: النشأة والمأساة
نامعلوم صفحہ