من نوع الإنسان ، ثم علمها ذلك المعلم سائر نوعه . ثم تداولوا تعلم ذلك . وهذا برهان ضروري حسي مشاهد ، يقتضي - ولابد - وجود الخالق ووجود النبوة ، وهي تعليم الخالق اللغات ( 1 ) والعلوم والصناعات ابتداء ، ووجود الرسالة وهي تعليم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لمن أمر بتعليمه إياه .
15 - فإذ قد صح هذا كله من قرب ، فالنظر واجب : هل مبتدئ العالم واحد أم اكثر من واحد . ومعرفة حقيقة هذا يقرب جدا - وذلك أنه لولا الواحد لم يوجد عدد ولا معدود ، ففتشنا العالم كله هل نجد فيه واحدا فلم نجده أصلا ، لان كل ما في العالم فإنه ينقسم أبدا فهو كثير لا واحد ، فإذا لابد من واحد في العالم ، فالواحد هو غير العالم ، وليس غير العالم إلا مبتدئ العالم ، فهو الواحد الذي لا يكثر ، لا واحد سواه ؛ فوجدنا العالم محدثا تاليا كما وصفنا ، لم يكن ثم كونه مكونه الذي ابتداه ، ولابد من أول ، إذ لولا الأول لم يكن الثاني أصلا ، ووجود الثاني يقتضي ضرورة وجود [ 145 ب ] الأول ، ولابد ؛ والثاني موجود فالأول موجود . ففتشنا العالم كله عن أول لم يزل فلم نجده لأنه كله محدث ، لم يكن ثم كونه مبتدئه ، فوجب ضرورة أن الأول غير العالم ، وليس غير العالم إلا مبتدئ العالم ومحدثه .
16 - فإذ قد صح الخالق وأنه واحد أول لم يزل ، وصحت النبوة ، وصحت الرسالة ، فالنظر واجب في الأنبياء :
فوجدنا شريعة النصارى في غاية الفساد لوجوده : أحدها قولهم بخلاف التوحيد في الابن والأب وروح القدس ، والثاني لفساد نقلهم لرجوعه إلى ثلاثة فقط وهم مرقش ولوقا ويوحنا الناقل من متى ( 2 ) ، فوضح عليهم الكذاب وأن أناجيلهم متضادة ، ظاهرة الكذب ( 3 ) في أخبارها ، فبطلت الثقة بنقلهم ، مع أنها شريعة معمولة من أساقفتهم وملوكهم بإقرارهم ، وما كان هكذا فالأخذ به لا يجوز ؛ إذ لا يجوز في هذا المكان إلا ما صح أنه جاء به المرسل عن الله تعالى .
ووجدنا اليهود أيضا شريعتهم في غاية الفساد لأنها راجعة إلى كتب ضائعة النقل ، لم ينقلها من أول كونها إلى فشوها عندهم كافة ، بل دخلها التغيير والإتلاف وانقطاع
صفحہ 137