طريق خلاصنا إلا بالنبوة ، وأما بالعلوم الفلسفية التي قدمنا فلا - أصلا - ومن ادعى ذلك فقد ادعى الكذب ، لأنه يقول ذلك بلا برهان ألبتة ، وما كان هكذا فهو باطل ، ولا يعجز أحد عن الدعوى ، وليست [ 144 / أ ] دعوى أحد أولى من دعوى غيره بلا ( 1 ) برهان . ثم البرهان قائم على بطلان هذه الدعوى ، لأن الفلاسفة الذين إليهم يستند هذا المدعي يختلفون في أديانهم كاختلاف غيرهم سواء سواء ، فوجب طلب الحقيقة في ذلك عند من قام البرهان على انه إنما يخبر عن خالق العالم ومدبره - عز وجل - . وهذا مكان يلزم العاقل الناصح لنفسه ألا يجعل كده ولا اجتهاده إلا في الوقوف على حقيقته ، وإلا فهو موبق لنفسه ، ولا يشتغل عن ذلك بعلم من العلوم تقل منفعته ، ومن فعل هذا فهو ضعيف العقل ، فاسد التمييز ، سيئ الاختيار ، مستحق للذم ، جان على نفسه عظيم الجنايات .
12 - فأول ذلك أن ينظر : هذا العالم محدث كما قالت الأنبياء - عليهم السلام - وأكثر علماء الأوائل والفلاسفة ، أم لم يزل كما قال غيرهم . ومعرفة حقيقة ذلك قريبة جدا لصحة البرهان الحسي الضروري المشاهد على تناهي عدد الأشخاص النامية من كل نوع من أنواع الحيوان والنبات ، فإن أشخاص نوعين منها اكثر عددا بلا ( 2 ) شك من أشخاص أحد ذينك النوعين . فإذ لا شك في هذا عند أحد ، فقد ثبت المبدأ في وجود كل عدد متناه ، فقد وجب لها المبدأ ضرورة - ولا بد - وإن زمان وجود الفلك الكلي - بكل ما فيه - يزيد عدد ساعاته بما يأتي منه ، وبالضرورة يدري كل أحد ( 3 ) أن ما قبل الزيادة ، فإن النقص موجود فيه قبل تلك الزيادة ، عما صار إليه بتلك الزيادة . ولا شك في [ أن ] الزيادة والنقص لا يمكن وجودهما إلا في ذي نهاية ومبدأ . فصح المبدأ للعالم ضرورة ، وصح أنه محدث مبتدأ ( 4 ) ، والله أعلم .
13 - وأيضا فإن الزمان كله يوم ثم يوم - هكذا مدة وجوده - وكل يوم فله مبدأ ونهاية بالمشاهدة . فإذ كل جزء من أجزاء الزمان ذو مبدأ ونهاية - والزمان ليس هو شيئا غير أجزائه التي هي أيامه [ 144 ب ] - فالزمان ذو مبدأ ونهاية - ولابد - ضرورة ، ومن ادعى مدة غير الزمان فقد ادعى الباطل وما لا يقوم به برهان أبدا . ومن أراد إيقاع الزمان على الباري تعالى فقد تناقض بالباطل ، لأن الزمان - كما بينا - ذو مبدأ ، والباري
صفحہ 135