أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف: ١٠٦]، فإذا عارضهم معارض، وقال: أنتم تدعون الإيمان، وتباشرون أعمال الشرك، فكيف تجمعون بين الماء والنار، وتؤلفون بين الضب والنون؟ قالوا: نحن لا نأتي بشيء من الشرك، إنما نبدي ما نعتقده في الأنبياء والأولياء من الحب والتقدير، أما إذا عدلناهم بالله، واعتقدنا أنهم والله جل وعلا بمنزلة سواء، كان ذلك شركا، لا شك فيه، ولكننا لا نقول بذلك، بل نعتقد أنهم خلق اللَّه وعبيده، أما ما نعتقده فيهم من القدرة والتصرف في العالم، فهما مما أكرمهم اللَّه وخصهم به، فلا يتصرفون في العالم إلا بإذن منه ورضاه، فما كان نداؤنا لهم، واستعانتنا بهم إلا نداء لله واستعانة به، ولهم عند اللَّه دالة ومكانة ليست لغيرهم، قد أطلق أيديهم في ملكه، وحكمهم في خلقه، يفعلون ما يشاءون، وينقضون ويبرمون، وهم شفعاؤنا عند اللَّه، ووكلاؤنا عنده، فمن حظي عندهم، ووقع عندهم بمكان، كانت له حظوة ومنزلة عند اللَّه، وكلما اشتدت معرفته بهم، اشتدت معرفته بالله، إلى غير ذلك من التأويلات الكاسدة
، والحجج الداحضة، التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان.
والسر في ذلك أن القوم قد نبذوا كلام اللَّه وحديث رسوله وراءهم، وسمحوا لعقولهم القاصرة أن تتدخل فيما ليس لها مجال فيه، وتشبثوا بالأساطير والروايات الشائعة التي لا تستند إلى تاريخ ونقل صحيح، واحتجوا بتقاليد خرافية. وعادات جاهلية، ولو كانوا عولوا على كلام اللَّه ورسوله وعنوا بتحقيقه، لعرفوا أنها نفس التأويلات، والحجج التي كان كفار العرب يتمسكون بها في عصر النبي ﷺ، ويحاجونه بها، ولم
1 / 52