والفرق بين التصور النطقي والتصور الخيالي وأن كان كلاهما يجتمعان في أنا لسنا نصدق بها أو نكذب، أن المتخيلات إنما نتصورها منِ حيث هي شخصية وهيولانية، ولذلك لا يمكن أن نتخيل ألوانًا إلا مع عظم وأن كان سيظهر من أمرها أنها أرفع رتب المعاني الشخصية.
وأما تصور العقلي فهو تجريد المعنى الكلي من الهيولى لا من حيث له نسبة شخصية هيولانية في جوهره، بل أن كان ولابد فعلى أن ذلك لاحق من لواحق الكلي، أعني تتعدد بتعدد الأشخاص وأن توجد له نسبة هيولانية، وسيظهر هذا على التمام عند القول في القوة الناطقة.
فأما أن هذه القوة توجد تارة قوة وتارة فعلًا فذلك من أمرها بين، وذلك أنها في فعلها مضطرة أن يتقدمها الحس كما سنبين بعد، والإحساسات كما تبين قبل حادثة، وإذا كان ذلك كذلك فهذه القوة إذن هيولانية بوجه ما وحادثة.
وأما الموضوع لهذه القوة الذي فيه الاستعداد فهو الحس المشترك بدليل أن التخيل إنما يوجد أبدًا مع قوة الحس وقد يوجد الحس دون التخيل.
وبالجملة يظهر من أمر القوة الحساسة أنها متقدمة بالطبع على هذه القوة وأن نسبتها إليها نسبة الغاذية إلى الحسية، ونعني بهذا نسبة الاستكمال الأول الذي في القوة الخيالية إلى الاستكمال الأول الذي للقوة الحساسة، وعلى الحقيقة فالموضوع لهذين الإستعدادين، أعني الاستعداد لقبول المحسوسات وقبول المتخيلات هي النفس الغاذية، إذ كان كما تبين من أمر هذه القوة أن الوجود لها من أول الأمر إنما هو من حيث هي فعل، والاستعدادات بما هي استعدادات إنما توجد مقترنة مع ما بالفعل، وليس بعضها موضوعًا لبعض إلا على جهة التشبيه، بمعنى أن بعضها يتقدم في الموضوع وجود بعض، وهكذا ينبغي أن يفهم الأمر في الاستعداد الخيالي مع الاستعداد الحسي، فإنا لسنا نقدر أن نقول أن الاحساسات بالفعل هي الموضوعة لهذا الاستعداد الخيالي على جهة ما نقول أن النفس الغاذية موضوعة للنفس الحسية، إذ تبين أن الاحساسات هي المحركة لهذه القوة التي تستكمل بها، لكن على كل حال فإن من الظاهر أن هذه القوة والاستعداد أكثر روحانية من الاستعداد الحسي، إذ كان حصوله في الرتبة الثانية وبعد حصول الاستعداد الحسي، وكأنه إنما ينسب إلى الهيولى بتوسط القوة الحسية.
وأيضًا فإن هذه القوة انفعالها ليس عن المحسوس بالفعل من خارج النفس بل من الآثار الحاصلة عن المحسوسات في القوة الحسية على ما سنبين بعد وما هذا شأنه فهو أكثر روحانية.
فقد تبين من هذا القول وجود هذه القوة، وأي هيولى هيولاها وما مرتبتها، ولما كان بالقوة، كما قيل في غير ما موضع إنما يصير إلى الفعل بمحرك يخرجه من القوة إلى الفعل، فما المحرك ليت شعري لهذه القوة.
أما المحرك في قوة الحس فالأمر في ذلك بين وهي المحسوسات بالفعل، وأما هذه القوة فلما كان استكمالها إنما هو بالمحسوسات أيضًا بوجه ما، وذلك بعد غيبتها. وكان أيضًا يظهر من أمرها أنها مضطرة في أن توجد على كمالها الأخير إلى المحسوسات، وذلك أنا إنما يمكننا أن نتخيل الشيء بالذات وعلى كنهه بعد أن نحسه فلا يخلو أن يكون المحرك لها أحد أمرين.
أما المحسوسات بالفعل خارج النفس فيكون على هذا الوجه هذه القوة حس ما، وذلك انه ليس يكون فرقًا بينها وبين قوة الحس إلا أن قوة الحس تدرك المحسوسات وهي حاضرة وهذه تتمسك بها بعد غيبتها فقط.
وأما أن يكون المحرك لهذه القوة ليست المحسوسات التي خارج النفس بل الآثار الباقية منها في الحس المشترك فإنه قد يظهر انه تبقى آثار ما من المحسوسات في الحس المشترك بعد غيبتها، ولا سيما المحسوسات القوية. ولذلك متى انصرف عنها إلى ما دونها من المحسوسات بسرعة لم يمكن أن يحسها.
وبالجملة ففي الحس المشترك قوة على التمسك بآثار المحسوسات وحفظها لكن متى أنزلنا نفس التخيل إنما هو في وجود هذه الآثار الباقية في الحس المشترك بعد ذهاب المحسوسات، لا بأن تكون هذه الآثار هي المحركة لقوة التخيل حتى يكون لها في هيولى التخيل وجودًا اكثر روحانية منها في الحس المشترك لزم أن نتخيل معًا أشياء كثيرة مبلغ عددها كمبلغ عدد الأمور التي أحسسناها.
1 / 18