بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الأول الْقَدِيم الْوَاحِد الْجَلِيل الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَبيه وَلَا نَظِير أَحْمَده حمدا يوافي نعمه ويبلغ مدى نعمائه
وَأشْهد أَن لَا إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة عَالم بربوبيته عَارِف بوحدانيته وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اصطفاه لوحيه وَختم بِهِ أنبياءه وَجعله حجَّة على جَمِيع خلقه ﴿ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة وَيحيى من حَيّ عَن بَيِّنَة﴾
وَأَن الله ﷿ اجتبى من عباده الْمُؤمنِينَ ذَوي
1 / 35
الْأَلْبَاب الْعَالمين بِهِ وبأمره فوصفهم بِالْوَفَاءِ والأخلاق الفاضلة وَالْخَوْف والخشية فَقَالَ عز وَعلا إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب الَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله وَلَا ينقضون الْمِيثَاق وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل ويخشون رَبهم وَيَخَافُونَ سوء الْحساب
فَمن شرح الله صَدره وَوصل التَّصْدِيق إِلَى قلبه وَرغب فِي الْوَسِيلَة إِلَيْهِ لزم منهاج ذَوي الْأَلْبَاب برعاية حُدُود الشَّرِيعَة من كتاب الله تَعَالَى وَسنة نبيه ﷺ وَمَا اجْتمع عَلَيْهِ المهتدون من الْأَئِمَّة
وَهَذَا هُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ عباده فَقَالَ جلّ وَعز ﴿وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾
1 / 36
وَقَالَ رَسُول الله ﷺ (عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ
1 / 37
وَاعْلَم أَن فَرِيضَة كتاب الله الْعَمَل بِحكمِهِ من الْأَمر وَالنَّهْي وَالْخَوْف والرجاء لوعده ووعيده وَالْإِيمَان بمتشابهه وَالِاعْتِبَار بقصصه وَأَمْثَاله
فَإِذا أتيت بذلك فقد خرجت من ظلمات الْجَهْل إِلَى نور الْعلم وَمن عَذَاب الشَّك إِلَى روح الْيَقِين قَالَ الله جلّ ذكره ﴿الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور﴾
1 / 38
وَإِنَّمَا يُمَيّز ذَلِك ويرغب فِيهِ أهل الْعقل عَن الله الَّذين عمِلُوا فِي إحكام الظَّاهِر وتنزهوا عَن الشّبَه قَالَ رَسُول الله ﷺ (الْحَلَال بَين وَالْحرَام بَين وَبَين
1 / 41
ذَلِك أُمُور مُشْتَبهَات) تَركهَا خير من أَخذهَا
1 / 42
فافحص عَن النِّيَّة واعرف الْإِرَادَة فَإِن المجازاة بِالنِّيَّةِ قَالَ رَسُول الله ﷺ (إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى)
1 / 45
والزم تقوى الله فَإِن (الْمُسلم من سلم النَّاس من يَده وَلسَانه وَالْمُؤمن من أَمن النَّاس بوائقه) قَالَ أَبُو بكر الصّديق ﵁ اتَّقِ الله بِطَاعَتِهِ وأطع الله بتقواه ولتخف يداك من دِمَاء الْمُسلمين وبطنك من أَمْوَالهم وَلِسَانك من أعراضهم
وحاسب نَفسك فِي كل خطرة
1 / 46
وراقب الله فِي كل نفس
قَالَ عمر ﵁ حاسبوا أَنفسكُم قبل أَن تحاسبوا وزنوها قبل أَن توزنوا وتزينوا للعرض الْأَكْبَر يَوْم لَا تخفى مِنْكُم خافية
1 / 48
وخف الله فِي دينك وارجه فِي جَمِيع أمورك واصبر على مَا أَصَابَك قَالَ عَليّ ﵁ لَا تخف إِلَّا ذَنْبك وَلَا ترج إِلَّا رَبك وَلَا يستحي الَّذِي يعلم أَن يسْأَل حَتَّى يعلم وَلَا يستحي من يسْأَل عَمَّا لَا يعلم أَن يَقُول لَا أعلم
1 / 49
وَاعْلَم أَن الصَّبْر من الْإِيمَان بِمَنْزِلَة الرَّأْس من الْجَسَد فَإِذا قطع الرَّأْس ذهب الْجَسَد
وَإِذا سَمِعت كلمة تغضبك فِي عرضك فَاعْفُ وَاصْفَحْ فَإِن ذَلِك من عزم الْأُمُور
قَالَ عمر بن الْخطاب ﵁ من خَافَ الله لم بشف غيظه وَمن اتَّقَاهُ لم يصنع مَا يُرِيد وَلَوْلَا يَوْم الْقِيَامَة لَكَانَ غير مَا ترَوْنَ
وراع همك واشتغل بإصلاح نَفسك عَن عيب غَيْرك فَإِنَّهُ كَانَ يُقَال كفى بِالْمَرْءِ عَيْبا أَن يستبين لَهُ
1 / 50
من النَّاس مَا يخفى عَلَيْهِ من نَفسه أَو يمقت النَّاس فِيمَا يَأْتِي مثله أَو يُؤْذِي جليسه أَو يَقُول فِي النَّاس مَا لَا يعنيه
وَاسْتعْمل لله عقلك بترك التَّدْبِير واستعن بِاللَّه على صرف الْمَقَادِير
قَالَ عَليّ ﵁ يَا ابْن آدم لَا تفرح بالغنى وَلَا تقنط بالفقر وَلَا تحزن بالبلاء
1 / 51
وَلَا تفرح بالرخاء فَإِن الذَّهَب يجرب بالنَّار وَإِن العَبْد الصَّالح يجرب بالبلاء وَإنَّك لَا تنَال مَا تُرِيدُ
1 / 52
إِلَّا بترك مَا تشْتَهي وَلنْ تبلغ مَا تؤمل إِلَّا بِالصبرِ على مَا تكره وابذل جهدك لرعاية مَا افْترض عَلَيْك
وَارْضَ بِمَا أرادك الله بِهِ قَالَ ابْن مَسْعُود ﵁ ارْض بِمَا قسم الله لَك تكن من أغْنى النَّاس واجتنب مَا حرم الله عَلَيْك تكن من أورع النَّاس وأد مَا افْترض الله عَلَيْك تكن من أعبد النَّاس
1 / 53
وَلَا تشك من هُوَ أرْحم بك إِلَى من لَا يَرْحَمك واستعن بِاللَّه تكن من أهل خاصته
قَالَ عبَادَة بن الصَّامِت ﵁ أظهر الْيَأْس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس فَإِنَّهُ الْغنى وَإِيَّاك والطمع وَطلب الْحَاجَات فَإِنَّهُ الْفقر وَإِذا صليت فصل صَلَاة مُودع
1 / 55
وَاعْلَم أَنَّك لن تَجِد طعم الْإِيمَان حَتَّى تؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره
1 / 56
وَكن بِالْحَقِّ عَاملا يزدك الله نورا وبصيرة وَلَا تكن مِمَّن يَأْمر بِهِ وينأى عَنهُ فيبوء بإثمه ويتعرض لمقت ربه قَالَ الله ﷿ ﴿كبر مقتا عِنْد الله أَن تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
1 / 58
وَقَالَ رَسُول الله ﷺ (من وعظ وَلم يتعظ وزجر وَلم ينزجر وَنهى وَلم ينْتَه فَهُوَ عِنْد الهل من الخائبين)
وَلَا تخالط إِلَّا عَاقِلا تقيا وَلَا تجَالس إِلَّا عَالما بَصيرًا
وَقد سُئِلَ النَّبِي ﷺ أَي جلسائنا خير قَالَ (من ذكركُمْ بِاللَّه رُؤْيَته وزادكم فِي علمكُم مَنْطِقه وذكركم بِالآخِرَة عمله)
1 / 59
وتواضع للحق واخضع لَهُ وأدم ذكر الله تنَلْ قربه
1 / 62
قَالَ رَسُول الله ﷺ (جلساء الله يَوْم الْقِيَامَة الخاضعون المتواضعون الخائفون الذاكرون الله كثيرا)
1 / 69