أما «تشيكوف»، فيعترف أولا بالفوضى التامة في أحوالنا الدنيوية، وقلة التناسق عندنا، ثم يتغلغل من هذا الإيمان بالتناسق الكلي.
أما «دوستوفيسكي» فأبطاله فريقان؛ فريق يقبل هذا التناسق الكلي، وفريق يرفضه، ويكون محور القصة المقابلة بين القبول والرفض، وأثر كذلك في النفسيتين المتناقضتين، ويتضح ذلك على أتمه في رواية «إخوان كارامازوف»، فمن هؤلاء «إليوث المؤمن»؛ «خرج إليوث وكانت زهور الخريف حول المنزل نائمة حتى الصباح، وصمت الأرض يذوب في صمت النجوم، ولغز الأرض متصلا بلغز الكواكب ...»
وكان «دوستوفيسكي» يرى أن هذا التناسق يمشي مشيا ملازما لحالات النفسية الإنسانية، وهو يرسمه رسما واضحا في اقتران العواصف النفسية بالعواصف الكونية، فهنا كما هناك الإشراق والظلمة، والهدوء والعاصفة.
على أن أهم ما في الأدب الروسي هو أنه بعد هذا البحث المضني والاستقصاء المر ينتهي الأمر إلى نوع من التسليم والمهادنة، أو ينتهي إلى التنبؤ بأننا في سبيل خلق عالم يرى هذا الانسجام حقيقة ثابتة لا زائلة أو حائلة.
رسالة الفن الحديث
السيريالية
الفن السريالي أو الفن فوق الواقعي أو الفن التجريدي، وثبة من وثبات التطور الفكري لا يمكن فهمها بغير الرجوع إلى سلسلة طويلة من العلاقات التي نشأت وتطورت بين العواطف الإنسانية والفكر، وفي استعراض هذه السلسلة وتلك العلاقات تعترضنا عدة أسئلة؛ السؤال الأول: كيف كان الإنسان الأول يفكر ثم كيف كان يصور وينحت؟ والسؤال الثاني: ما الذي دعا لتبديل هذه الطريقة؟ وهل الأسلم أن نعود إليها؟ وقد دعا كثيرون من الكتاب والفنانين المحدثين للرجوع إلى الغريزة فيما نكتب ونرسم، والسؤال التالي: أيهما أسلم، اتباع الغريزة أم اتباع العقل، أم اتباع طريق بينهما؟
نبدأ بالسؤال الأول، وهو: كيف كان الإنسان الأول يفكر؟ وكيف كان يرسم؟ ثم نصعد في سلم التطور حتى نرى الخطى التي مشت بنا لأعلى هذا الدرج.
الفرق بين الإنسان والحيوان هو أن الإنسان قادر على التجريد
Abstraction ، والحيوان لا يستطيع، أعني بذلك أنه لا يستطيع الخروج - إلا قليلا جدا - عن حدود الحواس والواقع.
نامعلوم صفحہ