بوعي مستقل كامل لا يعتمد على إمداد خارجي هذا الانفصال في شبكة الوعي، هو بالضبط ما جرى في النفس البشرية فأثر بدوره في المجتمع والدين والأدب، أما في المجتمع فهذا معناه الثورة على الدكتاتورية وقيام الديمقراطية، وأما في الدين فقد جعل الناس أقرب إلى التشكك واللادينية؛ لأن الإيمان المبني على مجرد التأمل العميق يختلف عن الإيمان المبني على المنطق والواقع، فالأول أقوى وأعمق، ولكن الثاني أكثر سطحية وأعم اتساعا وشمولا.
أما في الأدب فمعناه خلع سلطان الكلاسيكية ومبايعة الرومانتيكية في الأدب.
ولكننا في وقت التحام العناصر النفسية كنا أقوى وأشد نظاما وترتيبا، ولكننا اليوم - بانقسام الوعي - شطرنا هذا الوعي، ولكننا لم نفلح في إعادة الالتئام إليه مرة أخرى. من ذلك نتبين أن هذا التصدع جرى في انتظام، التئام جديد، التئام بين دعاة العقل، دعاة الروح، دعاة الموضوعية، دعاة الذاتية، دعاة الطاقة الخارجة والطاقة الداخلة
Trasscendant and Immanent .
يقول «بوناميه دوبريه»: لم تر الدنيا عصرا من العصور ظهرت فيه الحياة تافهة، والوجود سخيفا والقيم زائلة كما يتبين اليوم، إن قوى هائلة من الإرادة الإنسانية والتساؤل تنبت في محيط كان يسوده الاعتقاد الأعمى المطلق. فنحن في الواقع لا نزال في عصر تحول
Transition
يتميز بالشك والقلقلة، وطابعه الاستخفاف بكل شيء وإنكار كل شيء. قال «تولستوي»: إن أول مراتب الفن والنقد الإحساس الكامل بالحياة بقسميها العقلي والاجتماعي، فمن أين يتيسر لنا الفن والنقد ونحن في عصر تحول، مفطور على تجاهل الحياة والقيم على أنه يبدو للذي يقرأ الروايات والسير أنها تلخص في بضع كلمات، فلان الفلاني في سن السابعة عرف القيمة الحقيقية لوالديه فأنكرهما، وفي البلوغ عرف قيمة التعليم فحقد عليه، وفي الشباب عرف قيمة الأخلاق فثار عليها، ثم تغلغل في المجتمع فاتضح له فساده فتمرد على أوضاعه ، وفي سن الخامسة والعشرين انتهت القصة بهذا النظام الأسود المتشائم، هذا ملخص عام لجميع روايات هذا الجيل بدون استثناء، والنتيجة الجدية أن نرى ولا نزاع أن الأدب الأبتر فرع من الشجرة البتراء.
ولكننا في الحق يجب أن نقف موقفا جديدا إذا أردنا أن نخلق عالما جديدا، يجب أن نقف موقفا متفائلا بدل هذا الموقف المتشائم القاتم، وأول خطوة لذلك أن نعترف أن التساؤل هو مدخل النقد.
وعلينا أن نذكر دائما ما قاله «ماتيو أرتولد» في هذا الباب، وهو بالحرف: «النقد هو ما يخلق موقفا ذهنيا، تستفيد منه القوى الخالقة.» وعنى ذلك أن الفن يبلور القيم الإنسانية، أما النقد فيجلو هذه القيم المتبلورة للأنظار.
وقد يتساءل متسائل وما علاقة الذوق الفني أو الأدبي بالنقد؟ أليس لهذا أهمية؟ فنجيبه أن الذوق هو بالطبع أساس النقد والفن، وقد يكون النقد التعبير التلقائي للذوق، ولكنه في الواقع أعلى من ذلك، فإن الذوق شيء باطني «على كيفه» أما النقد فهو وعي الفن، ويمكن أن يقال كذلك أنه وعي الذوق، أعني بذلك أنه الفن الواعي المنظم أو الذوق الواعي المنظم كما تشاءون
نامعلوم صفحہ