ما لم يدفعه عقل ، فمعرفة الله مقدمة على معرفة رسله ، هنا انتهى قولك . وهذا قول يجب أن تتأمله ، فليس على ما ذكرت ، ولا كانت معرفة الله واجبة قبل الرسل . قال الله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } ( الإسراء : 15 ) . فإذا سقط العذاب ( 1 ) عن كل من لم يأته رسول بنص كلام الله تعالى ، بيقين ندري أن كل ما لا يعذب الله تعالى عليه ولا ينكره فليس واجبا بل إنما وجبت على الناس معرفة الله بدعاء الرسل عليهم السلام ، إليه تعالى فقط ، لا قبل ذلك . يا أخي قولك في وجوب معرفة الله تعالى قبل الرسل ، والوجوب فعل يقتضي موجبا بضرورة العقل ، فقل لي : من أوجب المعرفة فإن قلت عن الله تعالى أوجبها . قلنا لك : فمن أين [ 94 / أ ] زعمت أن الله تعالى أوجبها فإن قلت : بضرورة العقل ، ادعيت على العقول ما ليس فيها ( 2 ) ، وجمهور الناس من أصحاب الحديث والفقهاء والخوارج والشيعة متفقون مصرحون بان معرفة الله تعالى لا تلزم إلا بمجيء الرسل ودعائهم إلى الله تعالى فقط . وإن قلت : إن العقل أوجب ذلك فرضا ، فهذا محال ظاهر ، والعقل لا يحرم شيئا ولا يوجبه ، والعقل عرض [ من ] الأعراض محمول في النفس ومن المحال أن تحكم الأعراض وتوجب وتشرع ؛ وإنما في العقل معرفة الأشياء على ما هي عليه فقط من كيفياتها ولا مزيد . وهذا باب قد أحكمته غاية الإحكام في صدر كتاب ' أصول الأحكام ( 3 ) . فتأمل هذا الفصل تجده كما قلت . ولا تحسنن ( 4 ) ظنك بكل ما تجده لأولئك المهذرين السوفسطائيين على الحقيقة ، المتسمين بالمتكلمين الذين يأتونك بألف كلمة من هذرهم ( 5 ) ينسي آخرها أولها ، وليست إلا الهذيان والتخليط وقضايا فاسدة بلا برهان ، بعضها ينقض بعضا .
15 - وأما قولك : مع أن ظواهر الشريعة دلت على لزوم المعرفة والعلم بالله عز
صفحہ 194