رسالہ واضحہ
الرسالة الموضحة
شقَائقُ يحْملنَ النّدى فكأنهُ ... دُموعُ التصابي في خدُودِ الخرائدِ
وقوله يصف:
كأنما غُدْرانهُ في الوَهْدِ ... يَلعْبَن منْ حَبابها بالنَّرْدِ
فبهر أبا الطيب ما أوردته، واحتسبت عارضته، وعقل لسانه عن الجواب، وكاد لولا أن هيبة الوزير أبي محمد ملأت قلبه. وقد كان من قبل يلاوذ المناظر لياذ الغريم من التتبع. فحين انتهى في القول إلى هذا الموضع، نهض مغضبًا، وكان آخر العهد به في تلك الدار. وخرج مارًا على وجهه، شاردًا الظليم، ولم يقم إلاّ ريثما تأهب للسفر، فارتحل عن العراق متوجهًا إلى الكوفة. وقد استخف أحداث المتأدبين طمعًا فيه، حتى مزق أديمه، وفري فري الإرهاب عرضه. وأولع بهجائه سفيه من سفهاء البغداديين، صغير من أصاغر علمائهم يعرف بابن الحجاج، لا حظ له في الفضل ولا قدم في الأدب، وحسبه أن اضطره مع دناءة قيمته وسخف همته إلى الهرب، وترامي المطلب، وقلق الركاب في كل مذهب. وقد كنت اقتده بعنان الصغار قود الجنيب، فلم يستطيع مقامًا بمدينة السلام، فخرج عنها إلى الكوفة، ومنها إلى فارس، منتجعًا عضد الدولة، وملمًا بابن العميد، ومؤملًا الإقامة في ذراهما، والاستظلال بظلمها أو بظل أحدهما. فأحسن في بعض ما مدحهما وأساء في بعض، وحصرت مادته وانقطع دون الغاية نفسه، فإنه كان استنفذ في سيف الدولة إحسانه، واستغرق في مدحه باعه، فاضطر إلى الارتحال والعود إلى العراق، فاخترم دون ذلك، وكان آخر العهد به.
وأنا أشفع هذه الرسالة بما تتبعه من عوراه، ووقفت عليه من سرقته، ومن سقط لفظه وسخيف معانيه، وأذكر أيضًا من محاسن شعره، ومن عيون مدائحه - فإن المدح كان طعمته وشوارد أبياته - ما أجري في جميعه مع الحق الذي لا يسع تعديه، منصفًا ومنتصفًا منه، لا ألته حقه، ولا أنحله ما ليس له. وأفراد بذلك كتابًا وأستقصيه، وأنتهي إلى الغاية التي تبلغها القدرة فيه، بحول الله وقوته وفضله ورأفته.
نجزت الرسالة ولله الحمد، والمنة ولله وحده، وصلواته على سيدنا محمد النبي وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. ووافق الفراغ من نسخه على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إلى عفوه وغفرانه محمد بن عبد الملك بن عساكر الشافعي البعلبكي، غفر الله له، يوم الجمعة تاسع شوال سنة سبع عشرة وسبعمائة حامدًا ومصليًا.
1 / 54