بسم الله الرحمن الرحيم
صفحہ 1
وبه نستعين.
الحمد لله، المتفضل بجعل الأنبياء واسطة بينه وبين عباده، المنعم بإرداف الأوصياء لتهذيب طرق هدايته وإرشاده، المحسن بنصب العلماء، الوارثين للأنبياء لإيضاح مراده (1)، مرشد الانسان إلى طريقي شقوته وإسعاده (2)، فالسعيد (3) من أكثر من زاده وادخر ليوم معاده، والشقي من أهمل أمر آخرته ولم يستوثق ليوم ميعاده (4).
والصلاة على أكرم أنبيائه، وأشرف رسله وأمنائه، محمد المصطفى، الشافع لمن شهد برسالته، يوم لقاء ربه مخالفا لمراده.
وعلى آله المعصومين عن الزلل، البالغين في تقويم المكلف وسداده.
صفحہ 2
أما بعد، فإن الله تعالى لم يخلق العالم عبثا، بل، لغاية مقصودة، وحكمة متحققة موجودة، كما قال تعالى (5): * (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا؟ (6)) *، وقال تعالى:
* (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين) * (7).
ثم إنه تعالى نص على الغاية بالتعيين، فقال: * (وما خلقت الجن والإنس، إلا ليعبدون) * (8).
فيجب على كل مكلف من انسان (9)، السعي في تحصيل المطلوب منه بقدر الإمكان (10)، ولما كان ذلك محالا، إلا بعد معرفته تعالى، والنظر في ذاته ووصفه (11)، بما يستحق من جلال صفاته، واتباع أوامره وامتثال مراضيه، واجتناب ما يكرهه، والامتناع عن معاصيه، وقد حرم الله تعالى على جميع العبيد سلوك طريق التقليد، بل، أوجب البحث في أصول العقايد اليقينية، وتحصيلها باستعمال البراهين القطعية.
صفحہ 3
فقد أوضحت في هذه (الرسالة السعدية)، ما يجب على كل حال، اعتماده في الأصول والفروع على الاجمال، ولا يحل لأحد تركه ولا مخالفته في كل حال، في مسايل معدودة ومطالب محدودة، من غير تطويل ممل، ولا إيجاز مخل.
برسم المولى: المخدوم الأعظم، الصاحب الكبير المعظم، صاحب ديوان الممالك شرقا وغربا، بعدا وقربا، مالك السيف والقلم، ملجأ العرب والعجم، ملاذ جميع طوايف الأمم، محيي رفات المكارم والرمم (12)، مميت البدع ودافع النقم. المؤيد بالألطاف الربانية، المظفر بالعنايات الإلهية.
خواجة سعد الملة والدين (13)، أعز الله بدوام دولته الاسلام والمسلمين، وشيد قواعد الدين ببقاء أيامه الزاهرة إلى يوم الدين، وقرن أعقابه بالنصر والظفر والتمكين وختم أعماله بالصالحات، وأسبغ عليه جلابيب المسرات وكساه حلل السعادات وأفاض عليه من عظيم البركات، ووفقه لجميع الخيرات، بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وقبل الخوض في المقصود، لا بد فيه من تقديم..!
صفحہ 4
مقدمات
صفحہ 5
المقدمة الأولى في: الغرض من وضع هذه الرسالة (1) لما كان الغرض من وضع هذا الكتاب معرفة طريق الحق، وسلوك نهج الصدق.
وقد أوجب الله تعالى على العلماء، إظهار نواهيه وأوامره، وإيضاح مكنون سرايره.
حيث قال عز من قائل: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى، من بعد ما بيناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) * (2).
وقال تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب، ويشترون به ثمنا قليلا، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار..) * (3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من علم علما وكتمه ألجمه الله (4) يوم القيامة بلجام من النار) (5).
صفحہ 6
وجب على كل عاقل (6)، إرشاد الناس إلى طريق الصواب، لئلا يدخلوا (7) تحت اللعن، الذي توعد الله تعالى به كاتم علم، وبالخصوص، قد قال صلى الله عليه وآله (8): إن الله لم يأخذ على المتعلمين أن يتعلموا، حتى أخذ على العلماء أن يعلموا (9).
فوجب علينا وضع هذه الرسالة، الدالة على تصحيح أكثر العقايد اليقينية، وتحقيق طرق صالح (10) من المطالب القطعية، في المسايل الأصولية، المشتملة على كيفية اتباع المسايل (11)، المجمع عليها من العبادة (12)، التي هي الصلاة والصوم، عند كل المسلمين، لتحصل براءة الذمة للمكلف بالقطع واليقين، ويخلص من الظن والتخمين.
صفحہ 7
فوضعت للمخدوم الأعظم، خواجة سعد الدين (13)، هذه الرسالة، حسبة لله تعالى وطاعته (14)، لما افترضه الله حيث قال عز من قائل: * (. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * (15).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (.. العلماء ورثة الأنبياء.. (16)).
ولما كان من شأن الأنبياء عليهم السلام: الإنذار، كذا، يجب على وارثهم بحسب الإمكان والاقتدار.
وجعلت ثوابها واصلا إليه، أسبغ الله تعالى نعمته إليه (17).
صفحہ 8
المقدمة الثانية في: تحريم التقليد (18) طلب الله تعالى من المكلف: اعتقادا جازما يقينيا مأخوذا من الحجج والأدلة، وذلك في المسائل الأصولية (19)، واعتقادا مستفادا إما من الحجة أو من التقليد، في المسائل الفروعية (20).
صفحہ 9
(ا) ويدل على الأول: العقل، والنقل (21) أما النقل.
(1) - فقوله تعالى: * (قل انظروا.. (22)) *.
صفحہ 10
(2) - * (أو لم يتفكروا.. (23)) *.
(3) - * (.. إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون (24)) *.
(4) - * (.. إن يتبعون إلا الظن.. (25)) *.
(5) - * (.. وأن الظن لا يغني من الحق شيئا (26)) *.
(6) - * (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا.. (27)) *.
(7) - * (وقالوا.. ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين (28)) *.
(8) - * (.. ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني.. (29)) *.
(9) - * (.. وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم.. (30)) *.
صفحہ 11
(10) - * (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب (31)) *.
(11) - وغير ذلك من الآيات والآثار.
وأما العقل فإن الضرورة قاضية: بقبح تقليد من كان من الناس، لأن الخطأ واقع منهم، فلا يأمن المقلد من ارتكاب الخطأ، بل، لا بد وأن يقلد من يعتقد صدقه، واعتقاد الصدق ليس ضروريا بل كسبيا من النظر.
فيجب النظر على كل مكلف في المسائل الأصولية.
وإليه أشار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): (من أخذ علمه من أفواه (32)، إزالته الرجال، ومن أخذ علمه من الكتاب والسنة، زالت الجبال ولم يزل (33)).
صفحہ 12
فلينظر العاقل من نفسه، هل يجوز لأحد أن يجعل بينه وبين الله تعالى واسطة في اعتقاده؟ لم يعلم الحق باليقين (34) ولا يجزم به؟
فإن أكثر المسلمين لما ذهبوا إلى: أن الله تعالى هو المتصرف المالك لخلقه يعذب من يشاء ويرحم من يشاء، وأن الطاعة والمعصية، لا أثر لهما في استحقاق الثواب والعقاب، امتنع منهم الجزم بالخلاص.
ومن قلد من لا يجزم خلاص نفسه (35)، كيف يحصل له الجزم بسلامته؟
وهل يقبل الله تعالى عذر المكلف غدا لو اعتذر؟ وقال: إني قلدت فلانا من غير أن أعلم صدقه، ولا يعلم فلان صدق نفسه أيضا؟ ويكون جوابه: ما قال تعالى:
* (.. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير؟.. (36)) *.
وهل يعذر المكلف بعد سماع هذه الآية على رؤوس الأشهاد (37)، باتباع من لا يعلم بالقطع واليقين صدقه من الأنبياء والمعصومين؟ ثم كيف يجوز التقليد والنفاق لم يزل ولا ارتفع؟ فينطق الانسان اعتقادا في نفسه (38) ويظهر غيره؟
حتى أن الله تعالى حكم ذلك (39)، عن جماعة كانوا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم من جملة أتباعه.
صفحہ 13
فقال تعالى: * (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول..) * (40).
وقال تعالى: * (ومنهم من يلمزك في الصدقات..) * (41).
إلى غير ذلك من الآيات.
روى الحميدي (42) في الجمع بين الصحيحين عن سهل بن سعد (43) قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (أنا فرطكم على الحوض من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ (44) أبدا، وليردن علي الحوض أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول: إنهم من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقا سحقا لمن بدل بعدي (45)).
صفحہ 14
وفي الجمع بين الصحيحين من مسند عبد الله بن عباس (46) قال: إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (إلا أنه سيجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال.
فأقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
فأقول: كما قال العبد الصالح (47): * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شئ شهيد، إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (48)) * فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم (49).
صفحہ 15
وفي الجمع بين الصحيحين من مسند أنس بن مالك (50) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم، ورفعوا إلي رؤوسهم، اختلجوا، فأقول: أي رب! أصحابي أصحابي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (51)).
وإذا كان حال الصحابة، مع أنهم صدر الأول في الاسلام ولهم السابقة فيه فكيف حال غيرهم؟!
(ب) وأما المسائل الفروعية (52): فقد خفف الله تعالى عن عباده فيها بقبول التقليد للحق، فقال عز من قائل: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (53)) *.
صفحہ 16
المقدمة الثالثة في: وجوب اتباعه المعلوم وترك المظنون عند التعارض العقل والنقل متطابقان (54): على أنه إذا تعارض حكمان، أحدهما مجمع عليه يحصل به (55) يقين براءة الذمة، والآخر مظنون لا يحصل معه يقين البراءة (56)، بل، ظنها، فإنه يجب المصير إلى الأول دون الثاني.
وقد نص الله تعالى على ذلك (57)، في كتابه العزيز، فقال تعالى: * (.. فبشر عباد (58)، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب (59)) *.
صفحہ 17
دلت هذه الآية بمفهومها (60): على أن من لم يتبع أحسن القولين، وأجود الاعتقادين، فإنه لا يندرج تحت الذين هداهم الله تعالى.
وقد أجمع العقلاء كافة على: هذا الحكم (61)، وأنه إذا تعارض حكمان أو دليلان أو قولان، وكان أحدهما معلوما والآخر مظنونا، وجب ترك المظنون والعمل بالمعلوم.
صفحہ 18
المقدمة الرابعة في: أن الاجماع إنما يتحقق مع موافقة الإمامية (62) والأدلة الدالة على وجوب اتباع الاجماع (63)، من الكتاب والسنة (64)، إنما تدل: لو اجتمع على قول واحد (65)، جميع أمة محمد (عليه السلام).
صفحہ 19
والإمامية من أكبر أمة محمد عليه السلام.
لأنهم أخذوا مذهبهم عمن وصفهم الله تعالى، بصفات الشرف والكمال (66) والزهد.
وأنهم أبرار، فقال تعالى في حقهم: * (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) * (67)، إلى آخر آيات (68) * (هل أتى (69)) *.
وقال: * (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (70)) *.
وقال تعالى: * (.. إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (71)) *.
وقال تعالى: * (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية.. (72)) *.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام تصدق: بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم علانية (73)).
صفحہ 20