رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
تحقیق کنندہ
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
ناشر
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
ایڈیشن نمبر
١٤١٣هـ
پبلشر کا مقام
المملكة العربية السعودية
اصناف
عقائد و مذاہب
دعوته ﵇ إلى التوحيد وإقامة الحجة على ذلك وإيضاحه الطرق إليها١.
وقد أكد الله تعالى دلالة نبوته بما كان من٢ خاص آياته ﵇ التي نقض٣ بها عاداتهم كإطعامه الجماعة الكثيرة في المجاعة الشديدة من الطعام اليسير٤، وسقيهم الماء في العطش الشديد من الماء اليسير، وهو ينبع من بين أصابعه حتى رووا ورويت مواشيهم٥،
_________
١ أشرت سابقًا إلى أن الله قطع عذر الكافرين ببيان القرآن ووضوحه، وهنا ينص الأشعري على أن الله جعل توحيده وعبادته في المقام الأول من ذلك.
ولقد تعرض ابن القيم لهذه المسألة، وذكر أن حجج الله ﷾ جمعت بين كونها عقلية، سمعية. ظاهرة واضحة، قليلة المقدمات وذلك مثل قوله تعالى فيما حاج به عباده من إقامة التوحيد وبطلان الشرك وقطع أسبابه، وحسم مواده كلها: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ .
فتأمل كيف أخذت هذه الآية على المشركين مجامع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك، وسد بها عليهم أبلغ سد وأحكمه". (انظر: مختصر الصواعق المرسلة ١/٩٤) .
٢ ساقطة من (ت) .
٣ في (ت) "تنقضي".
٤ تكلم الأشعري فيما مضى عن القرآن الكريم، وهو المعجزة المعنوية الكبرى لرسول الله ﷺ ثم أتبع بذكر بعض المعجزات الحسية، وهي كثيرة جدًا، وبعضها تكرر مرارًا كتكثير الطعام وفوران الماء وهي ثابتة ثبوتًا قطعيًا عند أهل العلم بالسنن والآثار.
قال البيهقي: "ودلائل النبوة كثيرة، والأخبار بظهور المعجزات ناطقة، وهي وإن كانت في آحاد أعيانها غير متواترة، ففي جنسها متواترة متظاهرة من طريق المعنى، لأن كل شيء منها مشاكل لصاحبه في أنه أمر مزعج للخواطر ناقض العادات، وهذا أحد وجوه التواتر التي يثبت بها الحجة ويقطع بها العذر". (انظر: الاعتقاد ص١٢٧) .
وقال ابن حجر: "... وأما ما عدا القرآن من نبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام، وانشقاق القمر، ونطق الجماد، فمنه ما وقع التحدي به، ومنه ما وقع دالًا على صدقه من غير سبق تحد، ومجموع ذلك يفيد القطع بأنه ظهر على يديه ﷺ من خوارق العادات شيء كثير". (انظر: فتح الباري ٦/٥٨٢) .
وأما إطعام الجماعة الكثيرة من الطعام اليسير فقد أخرجه البخاري في عدة مواضع، وكذلك مسلم وغيرهما، ومن ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله ﵄ أن النبي ﷺ دعا أهل الخندق قائلًا: "إن جابرًا قد صنع لكم سؤرًا فحي هلا بكم، ثم قال لجابر: لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء، فجئت وجاء رسول الله ﷺ يقدم الناس حتى جئت امرأتي، فقالت: بك، وبك، فقلت: قد فعلت الذي قلت، فأخرجت له عجينًا، فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: ادعي خابزة لتخبز معك، واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها، وهم ألف، فأقسم بالله، لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا لتخبز كما هو". (انظر: البخاري كتاب المغازي باب ٢٩ج٥١/٤٦، ٤٧، ومسلم كتاب الأشربة باب ١٩ج٣/١٦١١، ودلائل النبوة للأصبهاني ص٣٥٣.
٥ أخرج البخاري في كتاب المناقب باب ٢٥ عن أنس بن مالك ﵁ أنه قال: "رأيت رسول الله ﷺ وحانت صلاة العصر، فالتمس الوضوء فلم يجده، فأوتي رسول الله ﷺ بوضوء، فوضع رسول الله ﷺ يده في ذلك الإناء، فأمر الناس أن يتوضؤا منه، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم". (انظر: ٤/١٧٠)، والحديث هكذا في مسلم كتاب الفضائل باب ٣ ج٤/ ١٧٨٣.
وأخرجه البخاري أيضًا من حديث جابر وفيه يقول: "... فوضع النبي ﷺ يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون. قال: فشربنا وتوضأنا، قيل لجابر: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة". (انظر كتاب المغازي باب ... ج٥/٦٣) .
وقد عقد الأصبهاني في الدلائل مقارنة بين نبوع الماء من بين أصابعه ﷺ وبين حجر موسى ﵇ وبين أن معجزة النبي ﷺ أعظم وأبلغ. (انظر دلائل النبوة ص ٣٤٥) .
وقد ذكر الأشعري أن المواشي قد رويت من هذا الماء، ولم أقف على نص في ذلك، ولكن الماء إذا توافر وكان كثيرًا استفاد منه من يحتاج إليه انسانًا كان أو حيوانًا وهذا واضح بحمد الله.
1 / 97