رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب
تحقیق کنندہ
عبد الله شاكر محمد الجنيدي
ناشر
عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة
ایڈیشن نمبر
١٤١٣هـ
پبلشر کا مقام
المملكة العربية السعودية
اصناف
عقائد و مذاہب
فلما كان هذا واجبًا كما١ ذكرناه عند سلف (الأمة) ٢ والخلف رحمهم الله٣ كان اجتهاد الخلف٤ في طلب أخبار النبي ﷺ والاحتياط في عدالة الرواة لها واجبًا عندهم، ليكونوا فيما٥ يعتقدونه من ذلك على يقين٦.
ولذلك كان أحدهم يرحل إلى البلاد البعيدة في طلب الكلمة تبلغه عن رسول ﷺ حرصًا على معرفة الحق من وجهه، وطلبًا٧ للأدلة الصحيحة فيه حتى تثلج صدورهم بما يعتقدونه، وتسكن نفوسهم إلى ما يتدينون به٨،
_________
١ في (ت) ونسخة ابن تيمية "لما".
٢ في الأصل "الأئمة". وما أثبته من (ت) ونسخة ابن تيمية.
٣ هذا الدعاء ساقط من (ت) ونسخة ابن تيمية.
٤ المراد بالخلف هنا كل من جاء بعد رسول الله ﷺ من أمته واجتهد وبحث لمعرفة سنة الرسول ﷺ وما كان عليه.
٥ في (ت) "فيها".
٦ ذكر الأشعري سابقًا قيمة اتباع منهاج النبوة، والسير خلف طريقة صاحبها ﷺ وترك كل ما عداها، وهذا يقتضي نقل ما جاء به الرسول ﷺ نقلًا علميًا أمينًا لتقوم به الحجة ويسلك الناس به صراط الله المستقيم.
ومن هنا حفظ الله هذا الدين بظهور العلماء الأفذاذ الذين تحملوا الرواية، واحتاطوا فيها، حتى لا يدخل في حديث النبوة كذب أو خلل وانتهجوا في ذلك طرقًا علمية صحيحة لنقد الروايات واختبارها، وتمييز صحيحها من سقيمها.
وقد حث علماء هذه الأمة منذ القرن الأول على الاحتياط في الحديث والتثبت من أحوال الرواة، وكان يوصي بعضهم بعضًا بذلك، فقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن "محمد بن سيرين" أنه قال: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم". (انظر: صحيح مسلم ١/١٤) . وكان عبد الله بن المبارك يقول: "الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء". (المرجع السابق ١/١٥) .
ويذكر الدكتور مصطفى السباعي أن الطرق التي سلكها العلماء منذ عصر الصحابة إلى أن تم التدوين: هي أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، وهم أول من وضعوا النقد الدقيق للأخبار والمرويات بين الأمم كلها، ثم ذكر الخطوات التي سلكوها للاحتياط في الرواية. انظر ذلك بتفصيل في كتابه السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص٩٠- ٩٦، وكذلك منهج النقد في علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر، وكتاب السنة قبل التدوين لمحمد عجاج الخطيب ص٢١٩ وما بعدها.
وإسناد الأحاديث خاصية خص الله بها أمة محمد ﷺ دون سائر الأمم، وفضلها به، ويقرر ذلك ابن حزم وهو يتكلم عن صفة وجوه النقل عند هذه الأمة فيقول: "إن ما نقله الثقة عن الثقة حتى يبلغ به إلى رسول الله ﷺ خص الله به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها". (انظر: الفصل ٢/٨١، ٨٢) .
٧ في الأصل "طلبًا" بدون "واو" وأثبتها من (ت) ونسخة ابن تيمية.
٨ أشرت فيما سبق إلى مكانة حديث رسول الله ﷺ وما بذله علماء هذا الشأن من الاحتياط فيه، ومن مقتضيات الوصول إلى هذه البغية: الرحلة والتنقل لطلب الحديث والوقوف عليه بأعلى إسناد وكان أحد الصحابة يرحل من بلده إلى مكان آخر ليتثبت من إسناد حديث واحد، وقصة جابر بن عبد الله أوضح شاهد على ذلك، وفيها يذكر أنه سار شهرًا حتى أتى الشام، والتقى بعبد الله بن أنيس، وقال له: "حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله ﷺ لم أسمعه فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه! فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "يحشر الناس يوم القيامة، أو قال العباد عراة غرلًا بهما... الحديث" (أخرجه أحمد في مسنده ٣/٤٩٥، والبخاري في الأدب المفرد باب المعانقة حديث رقم ٩٧٠ ص٣٣٧، وذكره في صحيحه تعليقًا في موضعين، في كتاب العلم باب ١٩ ج١/٢٧، وكتاب التوحيد باب ٣٢ ج٨/١٩٤، والحاكم في المستدرك ٤/٥٧٤، ٥٧٥، وصححه ووافقه الذهبي) . وكانت الرحلة في طلب الحديث من لوازم طريقة المحدثين ومنهجهم في التحصيل العلمي.
قال ابن الصلاح: "إذا فرغ من سماع العوالي والمهمات التي في بلده فليرحل إلى غيره". (انظر: علوم الحديث ص٢٢٢) .
ويقول الدكتور نور الدين عتر: "ويبدو أثر الرحلة للناظر في أسانيد الأحاديث واضحًا جليًا، إذا ما تناولنا أي إسناد منها، ودرسنا تاريخ رواته نجد في أغلب الأحيان أنهم ينتمون إلى أكثر من موطن، بل ربما وجدنا كل واحد منهم من بلدة، جمعت الرحلة في الحديث شتاتهم وقربت ما بعد بينهم حتى تسلسلوا في قرن واحد في سند الحديث الواحد". انظر مقدمته لكتاب الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي، ومن أراد الوقوف على كثير من الرحلات، فلينظر كتاب الخطيب المذكور الطبعة الأولى ١٣٩٥هـ) .
1 / 110