رسالہ فی لاہوت و سیاست

حسن حنفی d. 1443 AH
126

رسالہ فی لاہوت و سیاست

رسالة في اللاهوت والسياسة

اصناف

بعض الملابسات التي استخدمها المسيح لشفاء الأعمى، كما نجد في الكتاب نصوصا أخرى كثيرة تكفي لبيان أن المعجزات تتطلب شيئا آخر إلى جانب الأمر المطلق - كما يسمونه - الله. فيجب إذن أن نعتقد أنه بالرغم من ملابسات الحوادث وعللها الطبيعية لا تروى دائما أو لا تروى كلها، فإنها كانت دائما موجودة، ويتضح هذا في سفر الخروج (14: 27)،

26

حيث روي فقط أن البحر قد أطاح موسى بحركة يسيرة منه دون أي ذكر للريح، مع أن نشيد الإنشاد (15: 10)

27

يذكر أن هذا قد حدث بالفعل لأن الله قد نفخ ريحه (أي ريحا صرصرا عاتية)؛ ذلك لأن حذف هذا الظرف التفصيلي يجعل المعجزة تبدو أعظم، ولكن قد يصر أحد قائلا: إننا يمكن أن نجد في الكتب المقدسة حوادث عديدة يبدو أنه لا يمكن على أي نحو تفسيرها بعلل طبيعية كالقول مثلا إن خطايا البشر وصلواتهم يمكن أن تكون علة المطر والخصب للأرض، أو إن الإيمان يمكن أن يشفي العمى، وما شابه ذلك من الحوادث التي روتها الكتب المقدسة. وأعتقد أنني أجبت عن هذا الاعتراض من قبل، وبينت أن الكتاب لا يعرفنا الأشياء بعللها القريبة بل يرويها بترتيب وأسلوب من شأنهما أن يثيرا في الناس، وفي العامة بوجه خاص، أعظم قدر ممكن من الخشوع؛ لذلك يتحدث الكتاب عن الله وعن الأشياء بأسلوب غير دقيق، لأنه - فيما أقول - لا يريد إقناع العقل، بل يريد إثارة الخيال وشحذ قدرته على التصوير. فلو روى الكاتب سقوط دولة ما على طريقة المؤرخين السياسيين، لما حرك ساكنا عند العامة، على حين أن الأثر يعظم عندما يصف ما حدث بأسلوب شاعري، وينسبه إلى الله كما تعود أن يفعل، وإذن فعندما يروي الكتاب أن الأرض جدباء بسبب خطايا البشر، أو أن العميان أبصروا بالإيمان، فلا ينبغي أن تؤثر فينا هذه الروايات أكثر مما تؤثر فينا رواية أن الله قد غضب وحزن وندم على ما فعله أو على ما وعد به بسبب خطايا البشر، أو أن الله تذكر وعده عندما رأى آية، وكثيرا من الروايات الأخرى التي هي في الحقيقة إبداع شعري أو تعبير عن آراء الراوي وأحكامه المسبقة. نستنتج إذن على نحو قاطع أن كل ما يرويه الكتاب على أنه حدث بالفعل، قد حدث بالضرورة طبقا لقوانين الطبيعة، شأنه شأن كل ما يحدث، وإذا وجدنا حادثة ما نستطيع أن نوقن بأنها تناقض قوانين الطبيعة أو بأنها لم تصدر عنها فيجب أن نعتقد أنها إضافة إلى الكتب المقدسة أقحمها العابثون بالمقدسات؛ ذلك لأن كل ما يناقض الطبيعة يناقض العقل، وكل ما يناقض العقل ممتنع ومن ثم وجب رفضه.

لم يبق إذن إلا أن نبدي بعض الملاحظات على تفسير المعجزات، أو بالأحرى أن نجمع ما اعتزمنا إثباته في النقطة الرابعة في هذا الموضوع، وأن نوضحه بمثل أو بمثلين بعد أن تحدثنا من قبل عن أهم ما فيه، وسأفعل ذلك خشية أن تثير معجزة أسيء تفسيرها الشك في أن يكون بعض ما في الكتاب مناقضا للنور الفطري، فنادرا ما يروي الناس شيئا كما حدث بسهولة، دون إقحام رأيهم الخاص فيه، ولتضف إلى ذلك أنهم إذا أرادوا شيئا جديدا أو سمعوا به، فإن أذهانهم - ما لم يحترسوا كل الاحتراس من آرائهم وأحكامهم المسبقة - تنشغل بهذه الآراء المسبقة إلى حد أنهم يدركون شيئا مخالفا كل الاختلاف لما رأوه أو لما تعلموه من الآخرين، ولا سيما إذا كان الأمر متعلقا بشيء يتجاوز فهم الراوي أو السامع، وبوجه أخص إذا كانت لهذا أو ذاك مصلحة في أن يحدث الشيء على نحو معين؛ ونتيجة لذلك يروي الناس في أخبارهم وفي قصصهم آراءهم الخاصة أكثر مما يروون الحوادث التي وقعت بالفعل، فتروى الحادثة الواحدة، على يد شخصين مختلفي الآراء، بطريقتين مختلفتين كل الاختلاف، حتى ليبدو أنهما يتحدثان عن واقعتين مختلفتين. وأخيرا فمن السهل للوصول للغاية، في كثير من الأحيان، إرجاع الروايات إلى مصادرها في أفكار الراوي أو المؤرخ. وأستطيع هنا أن أعطي أمثلة كثيرة من الرواة والفلاسفة الذين كتبوا التاريخ الطبيعي، تأكيدا لما أقول، ولكني أرى أننا لسنا في حاجة إلى ذلك، وسأكتفي بمثل واحد من الكتاب، ويستطيع القارئ أن يحكم بنفسه على الباقين. كان العبرانيون في زمن يشوع (وقد أبدينا هذه الملاحظة قبل ذلك) يعتقدون أن الشمس تتحرك حركة تسمى يومية، في حين تظل الأرض ثابتة، ثم كيفوا طبقا لهذه الفكرة المسبقة المعجزة لله التي حدثت في أثناء معركتهم ضد الملوك الخمسة، فلم يرووا فقط أن النهار قد طال أكثر من المعتاد، بل رووا أيضا أن الشمس والقمر قد توقفا، أي إن حركتهما قد انقطعت، وكانت القصة، معروضة على هذا النحو نافعة للغاية في ذلك الوقت لإقناع غير اليهود عبدة الشمس وللبرهنة لهم بالتجربة ذاتها على أن الشمس خاضعة لقوة إلهية أخرى تستطيع بفعل يسير أن تغير مسارها الطبيعي، وهكذا فإنهم، بدافع العقيدة ومن الرأي المسبق في آن واحد، قد تصوروا الأمر ورووه على نحو مخالف كل الاختلاف لما كان من الممكن أن يقع بالفعل. وعلى ذلك، فإذا أردنا تفسير معجزات الكتاب، وإذا شئنا أن نعرف من رواياته كيف حدثت الأمور بالفعل، فمن الضروري أن نعرف آراء الرواة الأول، وأول من دونوا الرواية، ثم نميز بين هذه الأفكار وبين التصور الحسي الذي كان يمكن أن يتكون لدى الواقعة موضوع الرواية، وإلا فإننا سنخلط بين المعجزة نفسها كما حدثت بالفعل وبين أفكار رواتها وأحكامهم. كذلك يجب علينا أن نعرف أفكار الراوي، لا لكي نتجنب هذا الخلط فحسب، بل لكي لا نخلط أيضا بين الأشياء التي حدثت بالفعل وبين الأشياء الخيالية التي لم تكن إلا رؤى نبوية، فقد نقلت أشياء كثيرة في الكتاب على أنها وقعت بالفعل، وظنها الناس كذلك، ولكنها لم تكن إلا رؤى وأمورا خيالية، مثل نزول الله (وهو الموجود الأعظم) من السماء (انظر: الخروج، 19: 18؛ التثنية، 5: 23-26)،

28

وتصاعد الدخان من جبل سيناء؛ لأن الله قد نزل محاطا بالنار، وصعود إلياس إلى السماء في عربة من نار وعلى خيول من نار، وكلها بلا شك لا تعدو أن تكون رؤى تتناسب مع آراء أولئك الذين قصوا علينا رؤاهم كما تصوروها، أعني كأنها وقائع. والحقيقة أن كل من لديهم معرفة تفوق بقليل معارف العامة يعلمون أن الله ليس له يمين أو يسار، وأنه لا يتحرك ولا يسكن، ولا يوجد في مكان، بل هو لا متناه على نحو مطلق، يحتوي في ذاته على جميع الكمالات. أقول: إن العلم بذلك يتوافر لدى من يحكمون على الأشياء بإدراكات الذهن الخالص لا تبعا للانطباع الذي تعطيه الحواس الخارجية للخيال، كما يفعل العامة عندما يصطنعون إلها مجسما، يتمتع بسلطة ملكية ويرتكز عرشه على قبة السماء فوق النجوم، التي لا يعتقد الجاهل أنها على بعد شاسع من الأرض ويرتبط بهذه الأفكار وما شابهها (كما قلنا من قبل) عدد كبير من الوقائع التي يرويها الكتاب والتي لا ينبغي على الفيلسوف التسليم بها وكأنها حدثت بالفعل. وأخيرا فلكي تعرف الحوادث المعجزة كما وقعت بالفعل علينا أن نتعرف على الأساليب الخطابية والصور البلاغية التي يستعملها العبرانيون، فإن لم ننتبه إليها فسنرى في الكتاب كثيرا من المعجزات المختلفة التي لم يفكر من قاموا بتدوينها في روايتها أبدا، ومن ثم نجهل تماما الوقائع والمعجزات كما حدثت بالفعل، بل نجهل أيضا فكر مؤلفي الكتب المقدسة. فمثلا يتحدث زكريا (14: 7) عن حرب مستقبلة فيقول: «ويكون يوم وهو معلوم عند الرب ليس نهارا ولا ليلا، بل يكون وقت المساء نورا.» فيبدو أنه بهذه الكلمات تنبأ بمعجزة كبيرة، ومع ذلك فهي لا تعني أكثر من أن نهاية الحرب التي يعرفها الله وحده ستظل مجهولة طوال النهار، وفي المساء سيتم النصر، فقد تعود الأنبياء بمثل هذه العبارات أن يتنبئوا بانتصارات الأمة وهزائمها؛ وعلى هذا النحو نرى أشعيا وهو يصف في الإصحاح 13 هدم بابل: «إن كواكب السماء ونجومها لا تبعث نورها، والشمس تظلم في خروجها، والقمر لا يضيء بنوره.» ولا أظن أن هناك من يعتقد بأن ذلك قد حدث بالفعل عندما هدمت إمبراطورية بابل، وكذلك ما يضيفه بعد ذلك: «فإني سأزعزع السماء وأزلزل الأرض عن مقرها.» وكذلك يقول أشعيا (48، الآية قبل الأخيرة) ليخبر اليهود بأنهم سيرجعون من بابل سالمين إلى أورشليم، وبأنهم لن يقاسوا من الظمأ في الطريق «فلم يعطشوا حين سيرهم في القفار بل فجر لهم المياه من الصخر، شق الصخر ففاضت المياه.» فكل ما يقصده بكلماته هذه هو أن اليهود سيجدون في الصحراء كما حدث بالفعل، ينابيع تروي ظمأهم. وعندما عادوا إلى بيت المقدس بعد موافقة قورش

29

لم تحدث مثل هذه المعجزات بالفعل. وفي الكتب المقدسة أمثلة عديدة من هذا النوع. وما هي في الحقيقة إلا أساليب في التعبير شائعة بين العبرانيين، ولسنا في حاجة إلى سردها كلها، يكفي أن أذكر فقط أن هذه الطرق في التعبير، التي اعتادها العبرانيون، ليست مجرد محسنات بديعية، بل هي أساسا علامات تدل على الخشوع؛ لذلك نجد في هذه الكتب استعمال بارك الله بمعنى لعن (انظر: الملوك الأول، 21: 10، أيوب، 2: 9)

نامعلوم صفحہ