41
وعلى ذلك، فلا شك أنه كان أثيرا لدى الله لأن أقوال الكفار ولعناتهم لا تمس الله مطلقا. ولكن لما كان هذا الرجل نبيا حقا وسماه يشوع مع ذلك عرافا أي قارئا للمستقبل (13: 22)،
42
فلا شك أن هذا الاسم كان يدل على معنى حسن، وأن من سماهم الوثنيون بالمتنبئين والعرافين كانوا أنبياء صادقين، على حين أن من يتهمهم الكتاب ويدينهم مرات كثيرة كانوا متنبئين كذبة يخدعون الوثنيين كما خدع الأنبياء الكذبة اليهود، وهذا واضح أيضا في فقرات أخرى من الكتاب. ومن ذلك يمكننا أن نستنتج أن هبة النبوة لم تكن وقفا على اليهود وحدهم، بل مشتركة بين جميع الأمم، إلا أن الفريسيين
43
ينتهون إلى عكس ما انتهينا إليه، ويؤكدون أن هذه الهبة الإلهية كانت وقفا على أمتهم، وأن الأمم الأخرى قد تنبأت بالمستقبل بقوة شيطانية ما (أليست الخرافة قادرة على اختلاق أي شيء؟) والنص الرئيس الذي يقدمونه لتأكيد تفسيرهم لسلطة العهد القديم مأخوذ من سفر الخروج (33: 16)، حيث يقول موسى: «فإنه بماذا يعرف أني نلت حظوة في عينيك أنا وشعبك، أليس بمسيرك معنا فنختار أنا وشعبك من كل أمة على وجه الأرض.» ومن هنا أرادوا أن يستنتجوا أن موسى قد طلب من الله أن يكون حاضرا أمام اليهود، وأن يكشف عن نفسه لهم بنبوءات وألا يعطي هذا الفضل بعد ذلك أي شعب آخر. وإنه لمضحك حقا أن يكون موسى قد حسد الأمم الأخرى على حضور الله أمامهم أو أن يتجرأ على أن يطلب من الله شيئا من هذا القبيل. والواقع أنه عندما بدأ موسى في التعرف على روح أمته وعلى نزوعها إلى العصيان أدرك بوضوح أنه لا يمكنه أن يقوم بمهمته خير قيام دون الاعتماد على أكبر المعجزات، وطلب العون الخارجي من الله وإلا هلك اليهود، فطلب عونا خاصا من الله حتى يثبت على نحو قاطع أن الله يريد الإبقاء عليهم قال (34: 9): «إني حظيت في عينيك يا رب، إذا يسير الرب فيما بيننا لأنهم شعب قساة الرقاب.» وإذن فالسبب الذي من أجله طلب العون من الله هو أن الشعب كان عاصيا، ومما يثبت بمزيد من الوضوح أن موسى لم يطلب إلا هذا العون الخارجي وحده، إجابة الله ذاتها، فقد رد عليه بقوله (الإصحاح نفسه: 10): «ها أنا ذا بات عهدا أمام جميع شعبك أصنع معجزات لم ير مثلها في جميع العالم بين جميع الأمم.» وعلى ذلك، فإن موسى لم يكن يستهدف إلا اختيار العبرانيين على النحو الذي بينته، لم يطلب من الله شيئا آخر، ومع ذلك، فإني أجد في رسالة بولس إلى أهل رومية نصا آخر يسترعي انتباهي أكثر من ذلك، أعني هذا النص من الإصحاح 3، الآيات: 1، 2 الذي يعرض فيه بولس - فيما يبدو - رأيا يخالف نظريتنا، فيقول: «فما فضل اليهود إذن أو ما نفع الختان؟ إنه جزيل على كل وجه أولا لأنهم اؤتمنوا على أقوال الله.» على أننا إذا فحصنا جيدا هذا الرأي الذي يريد بولس عرضه هنا قبل كل شيء، لا نجد فيه ما يعارض نظريتنا، بل إنه يدعو إلى عين ما ندعو إليه. فهو يقول (الإصحاح نفسه: 29): إن الله هو إله اليهود وغير اليهود معا. وفي الإصحاح 2، الآيات 25، 26، يقول: «إن الختان ينفع لو عملت بالناموس، ولكن إن كنت متعديا للناموس فقد صار ختانك قلفا، فإذا كان الأقلف يحفظ حقوق الناموس أفلا يعد قلفه ختانا؟» ويقول ثانيا (3: 9؛ 4: 15)
44
إن الجميع يهودا أو غير يهود معرضون للخطيئة وأنه لا خطيئة دون أمر إلهي وشريعة إلهية. ومن ذلك يتبين بأقصى قدر من الوضوح أن الشريعة قد أوحيت للجميع على السواء كما بينا من قبل عند الحديث عن أيوب (28: 28)،
45
كما تبين أن الجميع عاشوا تحت لوائها، وواضح أني أتحدث عن شريعة الفضيلة الحقة، لا عن الشريعة التي تقام بالنسبة إلى كل دولة، والتي ترتبط بتكوينها وتتلاءم مع الروح الخاص لأمة بعينها. وينتهي بولس أخيرا إلى أن الله هو إله جميع الأمم، أي إنه يرعى الجميع، وما دام الجميع يخضعون للمقدار نفسه للشريعة وللخطيئة، فقد أرسل الله مسيحه لكل الأمم ليخلصها بالمثل من عبودية الشريعة،
نامعلوم صفحہ