(الأول): هو بقائها على ما هي عليه من دون تغيير وتبديل، ويراد بالبقاء الفعل التكويني وهو الإبقاء يعني أن مشيئة الله تعالى قضت بإبقاء الشريعة إما طوعا أو كرها إلى يوم الحساب، ومعلوم أن المشيئة لم تتعلق بذلك بالمعنى المذكور، فإن لازم التعلق عدم صدور الكفر والمعصية في الأرض، ويكون حال أهل الأرض كحال الملائكة في السماء فإن أريد بالبقاء هذا المعنى فلا ريب في الملازمة بينه وبين بقاء الإمام المتصرف المبين لأحكام الشريعة الغراء، ولا ينفك أحدهما عن الأخر جزما لكنه لم يدعيه أحد.
(الثاني): البقاء الناشئ من تشريع الشرع وصدور الأوامر والنواهي الذي هو كالحدوث، وهذا النحو من مطلوبية البقاء لا يستلزم دوام وجود الإمام وإن اقتضى نصبه نظير إرادة الأيمان من الكافر والطاعة من العاصي، ولذلك ذكرنا آنفا أنه لو قتل النبي بظلم وجور فلا يجب على الله أن يبعث ثان بشريعة النبي الأول، ومرادنا ببقاء الشريعة هو المعنى الثاني، بمعنى أن التكليف الإلهي يكشف عن المصلحة والمفسدة الواقعية وهو تعلق ببقاء الشريعة بالإجماع والضرورة والكتاب والسنة، ولكن تعلقه على حد مطلوبية الأيمان من الكافر والإطاعة من العاصي، وهذا المقدار من المطلوبية لا يوجب قهر العباد وإلجائهم على تنفيذ الأحكام وإبقاء الشريعة وعلى هذا فالشريعة باقية بالإرادة وهي محتاجة إلى الإمام المتصرف، والقادر قادر على إبقاءه مدى الآباد، ولكنه ليس بواجب عليه ذلك بل يمكن أن يخلو الزمان من إمام متصرف لجهة عصيان الأمة وعدم اقتضاء المصلحة الواقعية إنفاذ تصرف الإمام بالقهر والغلبة وذلك لا يورث خللا في لزوم إبقاء الشريعة ولا في لزوم نصب الإمام
صفحہ 52