والأول غلط محض لأن علم الله تعالى بصلاح الأمة وفسادها، وقابلية الإمام وعدمها مما لا يقاس به علم الأمة بذلك، وكيف تطيق الأمة معرفة حقيقة الصلاح والفساد، وأنى لهم بالوصول إلى ما يعلمه الله تعالى، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا، كلا لا يكون تعيين الأمة أقرب إلى المصلحة والصواب من تعيين الله، وهم قاصرون عن معرفة الأحوال المستقبلة.
والثاني: مثله أيضا لا يسلم، إذ لا إشكال ولا ريب إن الإمام المعين من واجب الوجود العالم بالسر والعلن أصلح من الإمام الذي تعينه الأمة مع قصورهم عن إدراك خفي المصالح وإن لزم منه في بادئ النظر التمرد والعصيان، فإنه لا ينافي المصلحة الواقعية كما إذا اقتضت المصلحة أن يأمر بأمر يعلم بأنه بعد التكليف يزيد عصيان المكلف، واستوضح ذلك في أمر إبليس بالسجود لآدم إذ لو لم يأمر به لم يظهر خبثه الباطني ولا خرج من زمرة الملائكة المقربين، فلو سلمنا إن بعض الأوامر تبعث على القرب إلى المعصية لكن اشتمال الأمر على المصلحة الواقعية مما يجعل هذه المفسدة هباءا منثورا، وكلام أهل السنة هنا وإن صدر من علمائهم لكنه عند التأمل ساقط عن درجة الاعتبار، فإنهم زعموا إن الله ترك تعيين الإمام حيث نظر إلى إن تفويض أمر الإمامة إلى الأمة أصلح من تعيينه للإمام، ونحن نطالبهم بإيراد المصلحة الموجبة لهذا التفويض، فإن زعموا إن الأمة أعرف وأبصر بالإمام النافع لأمر الدين والدنيا من الله سبحانه، فهو والعياذ بالله كفر، وإن ادعوا إن الله تعالى علم على إن المصلحة في إن يجعل نصب الإمام بيد الأمة، فيمضي ما يريدونه ويرونه، ويكون الإمام ما يجتمعون عليه، وفائدة إن حماية الدين تحصل في
صفحہ 44