قال العلامة جوستاف لوبون في كتابه الذي سماه «تمدن العرب» ما تعريبه: «إن لفظة الرق إذا ذكرت أمام الأوربي الذي اعتاد تلاوة الروايات الأمريكية المؤلفة منذ نحو ثلاثين سنة من الزمان ورد على خاطره استعمال أولئك المساكين المثقلين بالسلاسل المكبلين بالأغلال، المسوقين بضرب السياط، الذين لا يكاد يكون غذاؤهم كافيا لسد رمقهم، وليس لهم من المساكن إلا حبس مظلم، وإني لا أقصد أن أتعرض هنا للبحث عن صحة هذا الوصف وانطباقه حقيقة على ما كان واقعا من الإنكليز في أمريكا منذ سنين قليلة، وعما إذا كان من الأمور المحتملة أن مالك الأرقاء قد قام بفكره أن يسيء معاملتهم، ويذيقهم العذاب والهوان، بما يكون فيه تلف لبضاعة غالية مثل ما كان الزنجي في ذلك الزمان، أما الحق اليقين، فهو أن الرق عند الإسلاميين يخالف ما كان عليه عند النصارى تمام المخالفة.»
إلا أن الإسلام قد ابتدأ بتقرير هذه القاعدة:
إن المسلم المولود من أبوين حرين لا يجوز استرقاقه في أي حال من الأحوال.
ولعمري، إن في هذه القاعدة مزية كبرى وفائدة عظمى، لأنها تخرج من هذا الظلم الفاحش المهين قسما عظيما من العائلة البشرية.
وهذه القاعدة هي - والحق يقال - مفتاح لحل المسألة المعضلة التي حق للعالم المتمدن أن يشتغل بها في هذا الزمان.
أفلا تسعى الدول الأورباوية في البحث عن الطرق الفعالة التي يكون بها إلغاء النخاسة؟ إذا كان ذلك كذلك، فلعمري إنها ما عليها إلا أن تساعد مصر التي هي عنوان فخار الإسلام في أفريقيا على نشر التمدن، وبث الحضارة بين قبائل هذه القارة بواسطة الديانة الإسلامية، ومتى صار أولئك الوثنيون الفتشيون
1
مسلمين تلاشت النخاسة من نفسها، وبطبيعتها، حيث إن الاسترقاق لا يجوز بين أهل هذا الدين، بل قد ورد في القرآن الشريف نهي لهم عن مقاتلة بعضهم بعضا قال تعالى:
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (سورة الحجرات 49 - آية 9).
الفرع الأول: في منبع الاسترقاق
نامعلوم صفحہ