لم يجد جرانت إجابة على هذا الشعور بالازدراء المتسم بخيبة الأمل تجاه تصنع البالغين.
راحا يصطادان وظهراهما متقابلان، في وئام ذكوري جميل؛ فكان جرانت يلقي بخيطه في عدم اكتراث وتكاسل، وبات يلقي بخيطه في تفاؤل دائم لا مثيل له. وبحلول الظهر كانا قد انجرفا عائدين إلى موضع عمودي على الرصيف الصغير، فاستدارا متجهين نحو الشاطئ ليعدا الشاي على الموقد الصغير في الكوخ المتواضع. وبينما كان جرانت يجدف بالقارب مسافة الياردات القليلة المتبقية لاحظ أن عيني بات كانتا مثبتتين على شيء ما على الشاطئ، فاستدار ليرى ما تسبب في هذا النفور الملحوظ. وبعد أن نظر إلى الشخص الذي كان يتقدم نحوهما بجسد مرتعش وعظمة غير متناسبة مع مظهره، سأل بات عمن يكون.
فقال بات: «إنه وي آرتشي.»
كان وي آرتشي يستخدم عصا رعاة معقوفة، ما كان أحد من الرعاة ليحملها ولو على جثته - كما علق تومي فيما بعد - وكان يلبس إزارا لم يكن أحد من قاطني منطقة المرتفعات الاسكتلندية ليحلم أن يلبسه. كانت العصا تعلو بنحو قدمين فوق رأسه، ويتدلى الإزار من فوق ردفيه الرفيعين بشدة وكأنه تنورة نسائية داخلية متسخة. لكن كان من الواضح أن من يرتديه لم يكن يحس بوجود أي نقص. وكان قماش الطرطان الصوفي المربع المصنوع منه إزاره البائس الصغير صاخب كأنه طاووس؛ إذ كانت ألوانه تبدو غريبة ودخيلة على ألوان الأرض السبخة. أما رأسه الصغير القاتم الذي كان يشبه رأس الأنقليس، فكانت تتوجه قبعة اسكتلندية مستديرة ذات لون أزرق باهت، وبها عصبة عليها رسومات على شكل مكعبات، والقبعة تتدلى على جانبي رأسه بميل كبير بحيث غطى الجزء المتدلي منها أذنه اليمنى. وعلى الجانب العلوي برزت نبتة كبيرة من مقدمة العصبة. أما الجوربان اللذان كان يلبسهما في ساقيه اللتين كانتا تشبهان دبابيس الشعر فكانا بلون أزرق لامع، وكان نسيجهما زغبيا جدا لدرجة أنهما كانا يوحيان بنمو غير ملائم. وحول كاحليه النحيلين كانت سيور حذاء البروج الجلدية المتقاطعة مشدودة بقوة لم تتمكن حتى شخصية مالفوليو (في مسرحية شكسبير «الليلة الثانية عشرة») من أن تحققها.
سأل جرانت مندهشا: «ماذا يفعل في هذه الأنحاء؟» «إنه يعيش في النزل في مويمور.» «أوه. ما مهنته؟» «إنه ثوري.» «حقا؟ أتلك هي نفس فكرتك عن الثورة؟»
قال بات في ازدراء كبير: «لا!» وتابع: «أوه، أنا لا أقول إنه لم يضع الفكرة في رأسي. لكن لا أحد يعير أمثاله أي اهتمام. إنه يكتب القصائد.» «أفهم من هذا أنه ولد مرة واحدة.» «هذا! إنه لم يولد أصلا. إنه ... إنه ... إنه بيضة.»
خلص جرانت إلى أن الكلمة التي كان يريد بات قولها هي الأميبا، لكن معرفته لم تصل إلى ذلك الحد. إن أدنى أشكال الحياة التي كان يعرفها كان يتمثل في البيضة.
أتى «البيضة» يمشي بابتهاج نحوهما على طول الشاطئ الصخري، وذيل تنورته يتأرجح بتبجح لم يكن ملائما لمشيته المترنحة على الصخور. واقتنع جرانت فجأة أنه كان يعاني من كالوهات في قدميه. كالوهات في قدمين ورديتين نحيلتين تتعرقان بسهولة. ذلك النوع من الأقدام الذي يكتب الناس إلى الأعمدة الطبية بشأنه في الصحف . (اغسل قدميك جيدا كل مساء وجففهما جيدا، لا سيما بين الأصابع. وانثر عليهما مسحوق التلك نثرا جيدا، وارتد جوارب جديدة كل صباح.)
صاح الرجل، باللغة الاسكتلندية الغيلية، حين صار على مقربة منهم: «كيف حالكما؟»
تساءل جرانت، هل كل الأشخاص الغريبي الأطوار تكون أصواتهم نحيفة وخافتة أم إن تلك مجرد صدفة؟ أم إن الأصوات النحيفة الخافتة من سمات أولئك الفاشلين والمحبطين، والفشل والإحباط يولدان الرغبة في التخلي عن القطيع؟
نامعلوم صفحہ