وزعمت لبواب المستشفى أني طبيب مصري وأني أريد مقابلة أستاذ الجراحة، وفي قسم الجراحة سألت الراهبة بالإشارة عن المكان الذي يرقد فيه الميتادور، وأشارت إلى ممر جانبي كانت تقف في نهايته مجموعة قليلة من الرجال بينهم سيدة عجوز وصبي لا يتعدى العاشرة، وحولهم وقريبا منهم كانت تتناثر بضع باقات ، واقتربت. كانت رءوسهم منخفضة، ولكن اقترابي دفع بعضها إلى الارتفاع.
كانت الحجرة مغلقة وعلى أكرتها لافتة معلقة لا بد كانت أمرا بمنع الزيارة.
ووقفت قريبا من المجموعة ذات العيون المستطلعة صامتا مثلهم، منكس الرأس خجلا؛ ففي لحظتها كنت قد أفقت على سؤال: ماذا أتى بي إلى هذا المكان؟ ومن أنا بالنسبة للجريح الراقد في الداخل؟ أو حتى بالنسبة إلى هؤلاء الناس؟
وفتح باب الحجرة وخرج طبيب سرت بجواره بضع خطوات، وحييته، وأسعدني أنه يعرف الإنجليزية، وزعمت له هذه المرة أني صحفي عربي، وأني أريد أن أبرق بالخبر إلى جريدتي، وسألته عن حالة المصارع، فقال:
Grave . - Internal hoemorrhage? - Two, one in the chest and another in the abdomen. - External ones too. - Prognosis nil then. - Scientifically yes ... unless. - Unless what? - Something happens, you know, a miracle for example!
وتوقفت عن السير، وتابع الطبيب طريقه.
وتحرك واحد من المجموعة الواقفة كان أكبرهم سنا ولكنه أكثرهم صحة، حياني بالإسبانية، وهززت رأسي، وبمزيج من الإنجليزية والفرنسية والإيطالية قدم إلي نفسه. كان المحرر الرياضي لجريدة لم أهتم بمعرفة اسمها، وكانت رائحة البراندي الإسباني تفوح منه، وسألني عما قاله الطبيب وأخبرته بالحقيقة. إنه يعاني من نزيف داخلي وخارجي في الصدر والبطن معا، وإنه علميا لا يمكن أن يعيش، ولم تبق على حد تعبير الطبيب سوى المعجزة.
قال بازدراء غريب: ومن أين تأتي المعجزة؟
قلت: من السماء.
ورفع بصره إلى السقف وثبته هناك بعض الوقت، ثم عاد يواجهني وقال: قبل أن أعمل محررا كنت مصارع ثيران، وتحدثوا في العلم والمعجزات كما يحلو لكم، ولكنه لحظة أن سقط أمامي في الساحة وشلته السقطة عن أن يحرك يدا أو ساقا أمام الثور المقبل عرفت أنه انتهى ومات.
نامعلوم صفحہ